دخلنا القرن الحادي والعشرين وبلداننا أكثر بلدان العالم اضطراباً وشعوبها أكثر الشعوب حرماناً بسبب حكامها وبمساندة من لهم سيطرة على عالم اليوم... ولكن الإبداع العربي لم يتوقف في الجانب الذي لا ينتصر علينا أحد فيه... ذلك هو اللسان العربي «المبين». فلساننا العربي متفوق هذه الأيام على غيره من الألسن في مجالين، الأول في السياسة والحوار والنقاش، إلى الدرجة التي جعلت الدولة العظمى الوحيدة في عالم اليوم، أميركا، تخشى الفضائيات السياسية العربية. فلدينا رأس الحربة «الجزيرة» وبعدها مباشرة تأتي «العربية» و«أبوظبي» و«المنار»، وكل واحدة منها تتفوق في جانب بحيث أصبحت صناعة الخبر السياسي تنافس وتتفوق على نظيراتها في مختلف أنحاء العالم. بل ان المحطات الدولية تأخذ الآن عن «الجزيرة» و«العربية» بدلاً من العكس عندما كنا نأخذ منهم في السابق.
إذاً لدينا تطور لساني عربي في السياسة، وبدأت أميركا تخشى ذلك، حتى ان الفضائية الأميركية «الحرة» لم تستطع أن تؤثر على الساحة الإعلامية ولم تقلب الموازين لصالح الاتجاه الذي تدعو إليه الولايات المتحدة. وأخيراً بدأ الحديث في بريطانيا وفرنسا بشأن انشاء فضائيات عربية لمنافسة «اللسان العربي» المنطلق من عواصمنا الموصومة بالتخلف في مجالات عدة، ولكن على كل هذه المشروعات أن تحسب ألف حساب للمنافسة الشديدة المتخندقة في مواقع يصعب إزاحتها.
إلى جانب اللسان السياسي العربي المبين، تنطلق فضائيات أخرى لكنها ذات توجه آخر، ولا همّ لها سوى «الطرب». وفي هذا المجال أبدع العرب (أو بنات العرب بالأحرى) فيما يقومون به. فجأة وإذا بجميع العرب يتحدثون عن «نانسي عجرم» و«روبي» وأسماء أخرى لبنات لا يفقهن شيئاً في حياتهن سوى الرقص والغناء مع استخدام متطور للتكنولوجيا الرقمية (فيديو كليب).
أكثر من ثلثي الشعوب العربية شباباً وصغاراً لم يعودوا يفهمون ما يقوله آباؤهم... فنانسي عجرم تفعل بالشباب العرب ما كانت تفعل «مادونا» بالشباب الأميركي والأوروبي.
نانسي عجرم مجرد رمز لظاهرة كبرى تجتاح العرب هذه الأيام، ومع هذه الظاهرة لدينا «ستار أكاديمي» و«سوبر ستار» لتخريج المزيد من نانسي عجرم. فالشباب العربي ليس له مستقبل في أي شيء حاليّاً إلا في الطرب والحصول على الثروة الكبيرة من خلاله، أو السياسة والتطرف في هذه السياسة لحد الموت في عمليات انتحارية بحثاً عن جنة الآخرة وهرباً من جحيم دنيا العرب.
شبابنا العربي بين قطبين متصارعين، أحدهما تمثله نانسي عجرم التي حصلت على جنتها في الدنيا من خلال هز جسمها «رقمياً» وهي لا تفهم أي شيء في السياسة، ولا تعرف حتى من هو «عدي صدام حسين» عندما سألتها الصحافة عن ذلك قبيل سقوط نظام صدام العام الماضي... والقطب الثاني يمثله شباب يستلقي على باخرة وهو يبتسم استعداداً لربط جسمه بمتفجرات عالية الانفجار و من ثم الارتماء على هدف من الأهداف لتدميره وتدمير من يوجد فيه وتدمير نفسه التي يعتقد أنها ستحصل على الخلد...
ولكن يا ترى هل للعرب من جنة أخرى غير جنة نانسي عجرم وجنة الشاب الذي يفجر نفسه؟
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 704 - الإثنين 09 أغسطس 2004م الموافق 22 جمادى الآخرة 1425هـ