العدد 703 - الأحد 08 أغسطس 2004م الموافق 21 جمادى الآخرة 1425هـ

تأملات في أوضاع العراق

عيسى ابراهيم comments [at] alwasatnews.com

من بين انتقادات الكثير من «الثوريين العرب» لمجلس الحكم الانتقالي في العراق وكذلك الحكومة العراقية الحالية، أنهما شكلا على أساس طائفي أو قائمان على محاصصة طائفية أو إثنية، بالإضافة إلى كونهما صنيعة الاحتلال، فهل هذا الانتقاد المتعلق بالطائفية في مكانه؟ وهل تشكيل الحكومة أو ملامسة المشكلة الطائفية والتعددية على أسس أخرى ممكن ومفيد للشعب العراقي في ظروفه الخاصة أم لا؟

قبل الإجابة لابد من الإشارة إلى أن العراق بلد متعدد الطوائف والأعراق والأديان، وأنه على مدى التاريخ الحديث كان يحكم من قبل الأقلية وغالباً من خلال أنظمة بعيدة عن الديمقراطية والعدالة، فالمسلمون منقسمون فيه إلى مذاهب، وكذلك المسيحيون. ويوجد به أتباع الديانة الصابئية واليزيدية وغيرهم، كما يوجد به العرب والأكراد والتركمان والآشوريون. وهؤلاء جميعهم عانوا من غياب الديمقراطية والعدالة وبعضهم عانى من إنكار حتى مجرد حق استخدام لغته أو التعلم بها أو الاستقرار في الإقليم والمنطقة التي يقيم بها. وعانى جميع العراقيين من الأنظمة الدكتاتورية وعدم العدل والمساواة، فضلاً عن الحروب وآثارها المدمرة والحصار الجائر مدة فاقت عشر سنوات، كل ذلك في ظل أنظمة سياسية ترفع شعارات القومية العربية والاشتراكية، من دون أن يرى المواطن تطبيقاً لمحاسنها على الواقع، بل على العكس لم يتحسس سوى مساوئها التي خلفت جروحاً عميقة في ذاكرة وإحساس غالبية العراقيين على اختلاف انتماءاتهم.

إذا كان هذا هو الحال التعددي في العراق وإحساس غالبية أهله بالظلم المفرط من حكامه، فإن العراق يتميز عن بقية إخوانه العرب ويتفوق عليهم وينفرد عنهم في اكتشاف مقابر جماعية والقتل السياسي الواسع الذي مارسه النظام السابق، ثم ابتلاؤه بالاحتلال الأميركي المباشر، فهل تنسجم مواقف الحركة السياسية العربية مع معاناة العراقيين وأثرها في نظرتهم إلى مجلس الحكم والحكومة المؤقتة والمقاومة المسلحة ضد الاحتلال وضد قطاعات واسعة من الشعب العراقي تحت راية العداء للمتعاونين مع الاحتلال مرة، ومعاداة حقوق الشعب الكردي أو محاولة تقسيم العراق أو العداء المذهبي ضد السنة من البعض، وآخرين ضد الشيعة مراراً أخرى، بل وشبح عودة فكر وممارسات النظام البائد؟

من خلال تتبع الخطاب السياسي العربي بشأن العراق منذ حرب النظام السابق ضد إيران إلى ما بعد الاحتلال الأميركي، يمكن القول إن الحركة السياسية العربية وخصوصاً القومية واليسارية تعاني من داء مزمن يتمثل في تكرار المقولات الجاهزة والاستمرار في إعادة الخطاب السياسي الموروث والمقولات المسبقة مجاراة لعواطف الشارع أحياناً، وفي أحيان كثيرة بسبب الإرث السياسي أو عاطفة مخاصمة الأجنبي وفكرة قبول الظلم من الحاكم فقط لكونه عربياً، أطلق تصريحات عنترية ضد «إسرائيل» والامبريالية، أو لكونه من بني قومنا اجتراراً للذاكرة الموروثة «أنا وأخي ضد ابن عمي ولكن أنا وابن عمي على الغريب!»، فهل الخطاب العربي يتناسب وأوضاع أهلنا في العراق وظروفهم بما في ذلك مسألة محاكمة صدام؟

لا جدال أن المطلوب حل مشكلة الطائفية أو المذهبية، ولكن هل سيجدي نفعاً تكرار بغضنا للطائفية أو التعصب الديني والتمييز أم المطلوب معالجة تلك المشكلات عملياً؟ وكمقدمة للعلاج نتساءل: هل لابد من الإقرار بوجود المشكلة؟ وهل يتطلب ذلك الإقرار بالتعددية السياسية والطائفية والاثنية والدينية وليس مسحها بجرة قلم أو باعتماد أساليب قمعية؟ أم المطلوب معالجتها بوسائل ديمقراطية عصرية؟

لقد عالجت أوروبا مشكلة تعدد الطوائف والقوميات بنظرة عقلانية أولها قبول الواقع المتعدد والإقرار به وتنظيمه من خلال اعتماد مبدأ المواطنة المتساوية وإشاعة العدالة بين المواطنين، فحققت تلك المجتمعات تقدماً كبيراً في علاج الاحتقانات سواء فيما بين الدول أو فيما بين الفئات المختلفة داخل كل دولة. أما في الوطن العربي فالنظام السياسي في لبنان الذي عانى ظروفاً قريبة من العراق مع الفارق، يقوم أيضاً على أساس محاصصة طائفية بين المسيحيين والسنة والشيعة والدروز منذ أيام المستعمر الفرنسي، وعلى رغم ذلك يعتبر لبنان من أفضل البلاد العربية ديمقراطية، إذ يتمتع الناس فيه بقدر كبير من الحريات الخاصة والعامة، وأهمها انتخاب رئيس الجمهورية وتبدله، فضلاً عن تغيير رئيس الوزراء والحكومة بقدر يمنع الاستبداد والتسلط الفردي للرئيس أو الحزب الحاكم أو تحولهما إلى داء مزمن، كما هو الحال في الجمهوريات العربية الأخرى .

في اعتقادي أن الكثير جداً من العراقيين فرحوا بسقوط النظام الدكتاتوري على أمل الوصول إلى مجتمع ديمقراطي، وإن كان الكثير جداً أيضاً هم ضد الاحتلال الأميركي لبلدهم، ومن حق الحركة السياسية العربية إعلان دعمها لمقاومة الشعب العراقي ضد الاحتلال، إلا أن البكاء على زعيم الأمة وحامي البوابة الشرقية والوقوف ضد محاكمته وأعوانه لا يشكل في حقيقته فائدة للشعب العراقي الذي يجب على الحركة السياسية العربية دعمه وتبني مواقفه في إعادة بناء الدولة العراقية على أسس ديمقراطية وتحقيق الأمن للعراقيين الذين يعانون الأمرين من قوات الاحتلال ومن «المقاومة المسلحة» التي تبعث الرعب في نفوس العراقيين أكثر مما تبثه في نفوس المحتلين .

إن اعتماد العمل السياسي وليس المسلح لإعادة بناء العراق ومؤسسات المجتمع المدني فيه ومن أجل إجبار المحتل على سحب قواته بالتنسيق مع المجتمع الدولي هو الأسلوب الأمثل برأيي في ضوء المعطيات الداخلية ومناهضة عودة شبح النظام السابق للتسلط متحالفاً مع أعوانه والمستفيدين منه من كل الطوائف، أما القول إن العراق سيكون فيتناماً أخرى فإنه ليس في محله وإن كان يبدو فكرة نبيلة وبطولية وذلك لعدم توافر معطيات الأوضاع ذاتها التي كانت متوافرة في فيتنام، من حيث الدول المجاورة ووجود قوتين عظميين كالاتحاد السوفياتي والصين، فضلاً عن أن الفيتناميين لم يعانوا ما عاناه العراقيون من الأنظمة الحاكـمة منذ استقلال بلادهم حتى إسقاط نظام صدام وعلى يد قوات الاحتلال الأجنبي

إقرأ أيضا لـ "عيسى ابراهيم"

العدد 703 - الأحد 08 أغسطس 2004م الموافق 21 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً