يَحار المرء في تلك العقول البليدة والأجساد الصلدة ظاهرياً الخاوية من أية إرادة ذاتية داخلية لتستطيع أن تُعبر وتدافع عن أبناء الوطن المعتقلين في غوانتنامو وهم يلاقون الأمرّين، من وحشة القفص «الحيواني» المحتجزين فيه وغربتهم عن أهلهم وذويهم.
بالأمس نشرت «الوسط» رسائل الأخ الكريم المحتجز الأسير «جمعة الدوسري»، رسائل تقطر دماً وألما وحسرة، من واقع السجن وفراق الأهل والأقارب. وطفلته الصغيرة التي تكبر بعيداً عن حضن أبيها، كما يعبر الدوسري عن ذلك. وبما ان كلامه يخرج من القلب فإنه يدخل إلى القلب مباشرة، وذلك ما أحزنني كثيراً، وأحزن كثيرين من الإخوة.
ولم ينس «الدوسري» أمه وأباه اللذين طالب في إحدى الرسائل أن يُقبل رأسايهما، وأيضاً لم ينس أخته، ومن للأخ سوى أخته، ومن للأخت سوى أخيها، وما تجتمع تلك الرحمات في قلب رجل إلا إذا كان يتحلى بأكثر الأخلاق كرماً ونبلاً، وما تجتمع صفات الرحمة مع القتل والإرهاب الذي تتحدث عنه أميركا!
جمعة الدوسري هو ابن البحرين، لذلك كان لزاماً على البحرينيين التضامن معه ومؤازرة أهله ومواساتهم، والدعاء بتفريج كربته، وفك أسره هو وغيره من أبناء البحرين المحتجزين في ذاك المعتقل البغيض، في معقل حضارة القرن الحادي والعشرين (أميركا)، هذا من جهة شخصية (أي كأفراد).
أما ما يلزم القيام به من جانب الجمعيات الإسلامية، فهو الإلتزام بخط الإسلام في هذا الجانب، وقد جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري في الحديث المروي «... عن أبي جحيفة قال قلت لعلي رضي الله عنه هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه إلا فهما يعطيه الله رجلاً في القرآن وما في هذه الصحيفة قلت وما في هذه الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر».
فأين الجموع الكثيرة من الجمعيات الإسلامية من هذا الحديث؟! وهناك الكثير من الأحاديث والشروح والتفاسير في هذا الجانب منها ما كتبه المفسر الكبير القرطبي، وما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في ضرورة فك الأسارى من قيد النصارى، أو ما شابه ذلك لابن القيم الجوزية في باب فك الأسير.
أما أصحاب العقول البليدة، الممتدون قوسياً في مؤسسة «مليانه» من الكراسي الوثيرة المصحوبة بالسيولة النقدية الوفيرة، هؤلاء هم أصحاب الأجساد الخاوية «المنفوخة» منها البطون لعدة أمتار للأمام، ولا إرادة ذاتية شجاعة تحركهم. ولا رجاء ولا أمل منهم، فإنهم ربطوا حبل «سرتهم» بعيداً عن مطالب الشعب وهمومه وأوجاعه، فلا يتألمون بما يتألم به المواطنون ولا يشعرون بمعاناتهم. وما من مفر للمواطنين إلا انتظار «المدد» من المرسي أبو العباس أقرب من هؤلاء...و«مدد يا مرسي يا أبو العباس!»
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 703 - الأحد 08 أغسطس 2004م الموافق 21 جمادى الآخرة 1425هـ