قد يكون الاتجاه السلفي في الوقت الراهن من أكثر المتضررين من بين اتجاهات التيار الإسلامي جرّاء الحملة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة بزعامة بوش ضد ما يسمى بالإرهاب التي سيمر على انطلاقها 3 سنوات الشهر المقبل.
والمتتبع لأنشطة التيار الإسلامي في منطقة الخليج سيجد الصعوبات والتحديات التي يواجهها في الوقت الراهن، فقد تعرض هذا التيار عموماً إلى نكسة حقيقية، ومحاربة واسعة النطاق، ليس من قبل القوى الفاعلة في النظام الدولي فحسب، وإنما من قبل الأنظمة السياسية الخليجية نفسها. فإذا كانت الحكومات تحالفت ودعمت بعض اتجاهات هذا التيار في الماضي، فإنه من السهولة بمكان متابعة حجم التغيّر في العلاقة الراهنة، وكيفية تعامل هذه الحكومات مع هذا التيار التي تتسم غالباً بالحذر.
ومع ذلك فإنه يمكن التأكيد أن اتجاه السلف هو الأبرز من بين الاتجاهات الأخرى في المنطقة فيما يتعلق بتغير طبيعة العلاقة بينه والأنظمة الحاكمة. في السابق ساهمت معتقدات هذا الاتجاه المتحفظة جداً في مسألة الخروج على الحكم في تشكيل نمط معين من العلاقة اتسم في الغالب بالتحالف، وإن تباينت مواقف قيادات الاتجاه مع النخب السياسية في أحايين عدة. والآن هناك تضييق كبير على هذا الاتجاه بسبب ظهور فئات وجماعات دخيلة لها امتدادات تاريخية فكرياً، ولكنها اختلفت كثيراً مع الاتجاه نفسه في تبني ممارسات غريبة ولا تمت إليه بصلة.
وإذا ألقينا الضوء على الشقيقة الكبرى السعودية التي يتسم نظامها السياسي بالثنائية (الدينية - القبلية) فإننا سنجد أن هذه الثنائية تواجه تحدياً كبيراً، وأصبح الاتجاه السلفي يواجه جملة من الصعوبات قد يكون أبرزها عدم القدرة على التكيف مع رغبة القوى السياسية وبعض عناصر النخبة الحاكمة في الإصلاح السياسي. ولكن معطيات الواقع والضغوط الخارجية تفرض حتماً الدخول في عملية الإصلاح التي يتحفظ عليها الاتجاه السلفي بشكل علني، وهذا يفرض على قيادات السلف البحث عن بدائل وخيارات للمحافظة على وحدة الاتجاه وضمان استمراريته خلال المستقبل المنظور. وإزاء ذلك تظل هناك قضية جوهرية للغاية تتعلق بالمقر الإقليمي للاتجاه السلفي، فهل تستمر السعودية في احتضان المقر الإقليمي للاتجاه السلفي بعد أن نشأ وظل فيها قروناً؟
قبل الإجابة على ذلك لابد من الإقرار بأن هناك عدة مؤشرات تشير إلى تصاعد قوة هذا الاتجاه في البحرين مقارنة بالدول الخليجية الأخرى، ويمكن رصد أهمها في حصول الاتجاه على كتلة سياسية داخل البرلمان من المتوقع زيادة أعضائها خلال الفترة المقبلة. وقد أتاح هذا المكسب السياسي للاتجاه تحقيق الكثير من الإنجازات التي تصب في خدمة الأيديولوجية السلفية، من أبرزها مشروع إلغاء الفوائد الربوية على قروض التقاعد، ومشروع إنشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أيضاً من المؤشرات اللقاء الفكري المهم الذي عقد في البحرين خلال يونيو/ حزيران 2003 مع مشايخ الدعوة السلفية الشيخ علي حسن الحلبي والشيخ سليم الهلالي والشيخ مشهور حسن سلمان والشيخ محمد موسى نصر والشيخ وليد سيف النصر. وإقامة الدورة العلمية المكثفة الشاملة الأولى خلال الفترة من 14 إلى 19 يونيو 2002، ثم الدورة العلمية المكثفة لدراسة صحيح البخاري التي بدأت في منتصف يونيو الماضي بمشاركة سلفيين من 30 بلداً وتستمر حتى نهاية الشهر الجاري.
أيضاً من المؤشرات الزيادة والتطور الكبير في قدرات وإمكانات الاتجاه السلفي في البلاد، وخصوصاً في مجال العمل الخيري، إذ يلاحظ إمكانات تنظيمات الاتجاه في الإعلان عن مشروعاتها إعلامياً والذي شهد نقلة نوعية كبيرة أخيراً، بالإضافة إلى التوسع في إنشاء الكثير من التنظيمات الشقيقة وفروعها مثل اللجان والمؤسسات المعنية بدعوة الجاليات الأجنبية في البحرين إلى الإسلام. وقدرة تنظيمات الاتجاه السلفي كذلك على إيصال مساعدات غذائية وطبية فاقت 70 ألف دينار إلى العراق فور انتهاء الحرب الأخيرة، ومشروع (الوقف الكبير) الذي تفوق قيمته الإجمالية مليوني ونصف دولار أميركي. وبتزايد قوة الاتجاه السلفي في البلاد مقارنة بالاتجاهات الإسلامية الأخرى في ضوء المؤشرات السابقة، فإنه بالإمكان طرح قضية نقل المقر الإقليمي للسلفية من السعودية إلى البحرين. ولكن هذه الفكرة ستثير الكثير من التحديات سواءً للمنتمين للاتجاه السلفي، أو للحكم، وبحاجة إلى دراسة من جميع الأطراف للتقليل من تداعياته السلبية على البلاد، وعلاقاتها الخارجية
العدد 702 - السبت 07 أغسطس 2004م الموافق 20 جمادى الآخرة 1425هـ