تتحدث وسائل الإعلام التابعة لحزب العمال الكردستاني عن القرار الذي اتخذه في مؤتمره الأخير (وقف الهدنة من طرف واحد) أو العودة إلى الكفاح المسلح فإن وسائل الإعلام هذه تبرر ذلك بأن تركيا لم تتجاوب مع الخطة السلمية التي رسمها الحزب منذ سبتمبر/ أيلول 1998، أي قبل الاعتقال بأشهر، تقول المصادر المقربة من حزب العمال الكردستاني إن اوصمان أوجلان (الشقيق الأصغر لعبدالله أوجلان المسجون في ايمرالي في اسطنبول وعضو المجلس الرئاسي للمؤتمر الشعبي الكردستاني) ترك الحزب ومعه قيادي آخر يدعى نظام الدين طاش (متنفذ في القطاع العسكري للحزب)، وانتقل هو وعائلته إلى الموصل متنازلاً عن البزة العسكرية وعن شاربيه الكثين، إذ رآه بعض الأشخاص وهو مدني الزي مع غياب شاربيه عن الوجه. هذا الأمر المقبول اليوم كان ممنوعاً بالأمس القريب، إذ كان هناك معنى للشوارب لدى أوساط هذا الحزب.
قرار أوجلان هذا، وهو ثاني قرار من نوعه، يأتي بعد أن اختتم العمالي مؤتمره الاستثنائي الأخير الذي انعقد في نهاية مايو/ أيار الماضي في الموصل، وتؤكد المصادر أن قرار ترك الحزب أتى نتيجة إصرار المؤتمرين بشن حرب مسلحة ضد القوات التركية وقوات «حماة القرى» وهي قوات أفرادها من الأكراد جندتهم السلطات التركية لضرب عناصر حزب العمال الكردستاني في نهاية الثمانينات من القرن الماضي.
وتؤكد الأنباء، الكردية المصدر، أن أوجلان الصغير رفض أساساً حضور المؤتمر، إلا أنه ذهب تحت ضغط شقيقه أوجلان الكبير بأمل أن يقنع المؤتمرين بعدم جدوى الحرب، لكنه عاد بخيبة أمل كبيرة.
يذكر أن القرار الذي اتخذه الحزب أخيراً كان محل امتعاض شديد لدى أوساط واسعة من مؤتمر الشعب الكردستاني (وهو الاسم الأخير لحزب العمال الكردستاني، وبمثابة مظلة لكل مؤسسات الحزب العمالي)، إذ حصلت سلسلة من التناقضات في المجلس الوطني الكردستاني (برلمان المنفى)، الأمر الذي دفع بعصمت شريف وانلي إلى التخلي عن رئاسة المجلس الوطني الكردستاني ودفع كل المسئوليات «التاريخية» إلى حزب العمال لأنه باعتقاد هذه الأوساط أن بإمكان الحزب أن يعمل بعيداً عن إملاءات أوجلان، لأنها غير صحية وتحت تأثير السجن، إضافة إلى أنه لا يمكن أن يوضع الأكراد أمام خيارين كلاهما مر: إما أن يسير الحزب والكرد بأمر من عبدالله أوجلان أو أن يسير تحت رحمة قوات الدفاع الشعبي، وهي قوات بنيت أساساً على نمط المؤسسات العسكرية التركية، كما أنها قوات مُحكمة وبيدها كل مفاصل حزب العمال الكردستاني.
إلى ذلك، وعلى رغم دفاع الأمين العام للمؤتمر الشعبي الكردستاني زبير آيدار عن فكرة معاودة الكفاح المسلح، فإن النقاشات بشأن جدوى الكفاح المسلح شهدت اعتراضات واسعة بين الأوساط الكردية، وخصوصاً أن عبدالله أوجلان نفسه يعارض الفكرة (الكفاح المسلح)، إذ يرى أوجلان أن فكرة الكفاح المسلح «ستجلب المآسي للشعب الكردي وهو الشعب الذي أصبح النضال السياسي السلمي أمراً مهماً لديه». كما أن «الكفاح المسلح يسيء إلى الطرح الديمقراطي والسلمي للشعب الكردي وخصوصاً أن الظروف الدولية والإقليمية لا تتحمل فكرة الكفاح المسلح، كما أن هذه الظروف تتغير وتستجد تبعاً لمصالح وموازين القوى ولا يكون للشعب الكردي أي مكان في هذين الأمرين».
وترى بعض الأوساط الكردية أنه يجب إعطاء فسحة أخرى لحكومة العدالة والتنمية لمراجعة ذاتها، وذلك لسببين: أولاً، أن «العدالة والتنمية» ومنذ تسلمه الحكم يعمل على السكة الصحيحة في كل الجوانب، وثانياً، للمرة الأولى تبدي الحكومة التركية تعاطفها مع الأكراد، حين التقى رجب طيب أردوغان قبل أيام قليلة في لندن عدداً من أكراد تركيا في المهجر، وهي المرأة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا اللقاء منذ تسلم مصطفى كمال أتاتورك الحكم. وملخص ما قاله أردوغان في اللقاء: إن الأكراد تعذبوا كثيراً وانهم معرضون للعذاب فيما بعد، و«ان حكومة العدالة والتنمية ستهتم بوضعهم في الأيام المقبلة، لكن ليس مع الإرهابيين»
إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "العدد 702 - السبت 07 أغسطس 2004م الموافق 20 جمادى الآخرة 1425هـ