العدد 702 - السبت 07 أغسطس 2004م الموافق 20 جمادى الآخرة 1425هـ

حملة على الفضائيات العربية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الحملة الغربية (الأوروبية - الأميركية) على الإعلام العربي بدأت تتصاعد مع نمو قوة الفضائيات العربية وتحديداً «الجزيرة» و«العربية» و«المنار». الفضائيات في قفص الاتهام مجدداً، والحملة واضحة في أهدافها السياسية. فهي لا تتحدث عن ضعف مهني أو صعوبات تقنية بل تركز هجمتها على المواقف السياسية وظهور وجهات نظر عربية مضادة لمصالح وآراء أجهزة الإعلام الغربية. فالدول الغربية (وتحديداً الولايات المتحدة) لا تريد منافسة عربية في مجالات يقال إنها تسهم في صوغ الرأي العام وتوجيهه. وبالتالي لا تريد أن ترتسم مشاهد فاضحة تكشف النفاق الأميركي والأكاذيب التي تطلقها الجهات الرسمية في واشنطن وعواصم الغرب. وتريد أيضاً أن تحتكر هذه السوق والسيطرة عليها وسد المنافذ أمام الآراء النقدية أو المضادة. وآخر ما صدر في هذا الشأن كان تصريح وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد الذي جدد هجومه السابق على «الجزيرة» و«العربية» متهماً الفضائيات العربية بتزوير الحقائق. رامسفيلد يقول إن قواته لم تحتل العراق بل «حررته»، وكذلك يؤكد أن القوات المحتلة لا تقتل المدنيين ولا تقصف المدن ولا تجتاح البيوت ولا تعتقل الناس. وأيضاً يقول المذكور إن أسلحة جيشه تمتاز بالدقة في التصويب وهي مخصصة في إصاباتها ولا تصيب إلا «الإرهابيين» وتبتعد عن المدنيين والأبرياء (!).

كلام رامسفيلد أساسه الكذب ومنطقه يشبه كثيراً ذاك الذي تردده بعض الأنظمة العربية. فتلك الأنظمة دأبت منذ سنوات على اتهام الإعلام بأنه يخترع الحوادث ويزور الأنباء ويخدع الجمهور تنفيذاً لمؤامرات «دولية» و«صهيونية». رامسفيلد يقول الكلام نفسه ويردد الفقرات الانشائية المملة وفق المنطق الذي يريد فعلاً قلب المنطق والتغطية على الحقائق. رامسفيلد تحول إلى حالة عربية مقلوبة فهو يتهم الفضائيات العربية بالتآمر على الاحتلال الأميركي وتغطية أفعال المخربين وغيرهم من مجموعات «إرهابية». رامسفيلد مثلاً استنكر سابقاً تغطية «الجزيرة» و«العربية» و«المنار» للمجازر التي ارتكبتها قواته ضد المدنيين في مدينة الفلوجة. وها هو الآن يكرر الكلام نفسه ويعيد اتهام الفضائيات نفسها بتزوير الحقائق في وقت ترتكب قواته الفظاعات ضد المدنيين في النجف. فوزير الدفاع الملعون يريد من الفضائيات العربية السكوت على المجازر ضد الأبرياء والآمنين والتغطية على سلوك قواته المشين ضد العراق وأهله.

هذا المنطق يراد تسويقه عالمياً في وقت تشن واشنطن هجمات سياسية ضد الكثير من الدول العربية بذريعة أنها لا تتبع المكاشفة والشفافية وتكم أفواه المعارضة وتمنع الرأي الآخر في محطاتها وصحفها. فكيف يمكن التوفيق بين النظرية والتطبيق، وكيف يمكن اقناع الرأي العام العربي بأن واشنطن تريد الخير و«الديمقراطية» للأمة في فترة أعلنت تبرمها من وجود رأي مضاد أو على الأقل لا ينسجم مع روايات أميركية أظهرت الوقائع أنها كاذبة؟ وكيف يمكن تصديق الكلام الأميركي عن «الحرية» والحق في التعبير عن الرأي المخالف في وقت تبدي إدارة بوش امتعاضها من ظهور وجهات نظر مخالفة لسياسات تلاقي المعارضة (أو الاعتراض) من معظم شعوب «العالم الحر» ودول «العالم الثالث»؟

هذه الازدواجية تشكل نقطة ضعف جديدة في السياسة الأميركية وهي تضاف إلى تلك «المهاترات» التي يصر الرئيس الفرنسي على زج نفسه فيها في كل فترة. فالرئيس جاك شيراك افتعل لحسابات انتخابية معركة ضد الحجاب، وها هو الآن يتورط في معركة ضد محطة «المنار» حين وافق القضاء الفرنسي على منع بث فضائية «المنار» بذريعة أنها تنقل مشاهد قاسية ومثيرة من فلسطين المحتلة والعراق المحتل.

إنها سياسة قلب الحقائق وهي تكتيكات تعوّد عليها المواطن العربي من محيطه إلى خليجه. وتلك السياسة تقوم على نفي الحقائق وتكذيب الخبر والصورة في وقت يكون المشهد العام يتضمن الكثير من التفصيلات التي تعجز الصورة عن نقلها والكلام عن توضيحها.

القرار الفرنسي والكلام الأميركي وتصريحات المسئولين في دول الغرب كلها نقاط تصب في مجرى واحد. والمجرى هو ان الكذب سياسة القوي، والضعيف عليه أن يتلقى النتائج وتُمنع عنه المراقبة وحق النقل أو المشاهدة. وفي حال تجرأ الضعيف وتمرد يُتهم فوراً بالتزوير وقلب الحقائق.

هذا الأسلوب ليس جديداً على العربي. الجديد هو ان العربي بدأ يكتشف باكراً مدى الكذب الأميركي عن الديمقراطية. فالديمقراطية من وجهة نظر رامسفيلد ليست معلومات وحقائق وانما مجرد بضاعة يُمنع على العربي استخدامها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 702 - السبت 07 أغسطس 2004م الموافق 20 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً