الشجاعة والجرأة مقومات شخصية ومفردات تقيم درعا وحاجزا اسمنتياً، من يملكها ربما يصل في حياته إلى مرحلة مليئة بالتحديات، أهمها انه في موقع يفرض له الاحترام. من جانب آخر يلزم عليه أن يكون فوق موضع الشبهة لأي تحركات تصنف بأنها ضد المصالح العليا المرسومة والمخططة مسبقا، لذلك فإن تلك المواصفات أهم سلاح لمن لا سلاح له، ولكنها من الممكن أن تكون نقمة عليه ومجازفة لا تحمد عقباها. وهذا الصنف هو الذي ينصب نفسه في كفة «المعارضة» التي تندد بأي تحرك رسمي لأجل الوصول إلى غاياتها.
المعارضة سمة لجماعة تتخذ مسارا غالبا ما تصنف على أساسه بأنها الجهة المناوئة لاتجاهات الحكومة، سواء كانت في الجانب الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي.
ففي الجانب الأول تجد تقييم المعارضة له - وفق الإطار الفكري والأجندة الموضوعة على قائمة أعمالها - انه يجب أن يكون هناك توزيع عادل للثروة وموارد الدخل على أفراد الشعب بشكل منصف بين الجميع، يحقق الرخاء من دون إحداث خلل في توازن التوزيع بترجيح كفة على أخرى، إذ تنال فئة نصيباً أوفر في العيش والغنى الفاحش، في حين تجد فئة أخرى تعيش في فقر مدقع يورث تراكمات تفجر الغضب فيترجم إلى تظاهرات واحتجاجات.
فإن توجست تلك الجهة بتحرك مشبوه فيه سرعان ما تطلق شعارات تندد بالتحرك المفسد والمعيب في تطبيقه، أما الجانب الاجتماعي فإنها تشعر بأنها حلقة مفقودة ومهمشة في شبكة العلاقات الدولية والاجتماعية وتجاهلها عمدا بغية تحقيق مصالح شعبية أكثر منها ذاتية.
وأخيرا الجانب الأكثر سخونة هو الجانب السياسي الذي ينقسم إلى شقيه السلمي والعسكري. فالأول إصلاحي يسعى إلى التكيّف في منظومة الأطر الرسمية والحكومية في سبيل خلق وعي لعامة الشعب وإحداث تغيير نحو التطوير والتنمية المرجوة، أما العسكري فهو الذي تقوم به في موقع مناوئ تريد به إسقاط النظم الحاكمة والقيادات السياسية سواء إن كانت جمهورية أو ملكية، وأبرزها الذي وقع في جمهورية هاييتي وإجبار رئيسها جان أريستيد على مغادرة البلاد والتوجه إلى المنفى.
التحليل السيكولوجي للموقف المعارض هو عنصر مكمل، ربما يساهم في خلق برامج إبداعية نتيجة الابتكار من الواقع المعاش الذي يتلمسه غالبية الشعب من دون تحريك عجلة التقويم والتطوير وبغية استحداث نظم مغايرة عن سابقتها نظرا إلى ما أنتجته تلك النظم التقليدية التي تصل إلى التعسف في استفحال الكوارث وخلق المشكلات التي من الممكن القضاء عليها في حال تغليب وجهات المعارضة.
ولذلك سعت الدول الكبرى إلى جذب كفة المعارضة في بعض مناطق العالم الثالث وعملت على تزويدها بالأساليب المعاصرة في خلق نموذج مثالي ونظام حضاري يحترم الشعوب ويؤمن بالعدالة والمساواة، إضافة إلى الديمقراطية والمشاركة الجماعية في صنع القرار عبر الانتخابات التي تتطلع إليها بغية إنشاء حكومة حديثة حسبما ما تزعم، لقيام نظم مستحدثة ومسيّرة من الخارج وخاضعة لمطالبه. وأبرزها مثالا حكومة العراق الحالية التي عملت ضد نظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، ونظمت مؤتمراً احتضنته العاصمة البريطانية لندن بادعاءات أولها انتهاك صدام لحقوق الإنسان والإبادة الجماعية بحق الشعب العراقي سواء للأكراد المتمثل في مذبحة حلبجة بالغاز الكيماوي الذي أودى بحياة المئات من الضحايا أو الجنوب الشيعي في النجف وكربلاء أو القبور الجماعية.
في الإطار ذاته ووفقا لتصريح مسئول أميركي لصحيفة «التايمز» البريطانية قال ان الولايات المتحدة ستشن حملة سياسية كبيرة ضد إيران للإطاحة بنظامها الحاكم في حال إعادة انتخاب الرئيس جورج بوش في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وأضاف ان إدارة بوش الثانية لن تلجأ إلى استخدام القوة العسكرية للإطاحة بالنظام الايراني كما حدث بالنسبة إلى العراق ولكنها ستدعم «العدد الهائل من الإيرانيين» الرافضين للنظام الإيراني للإطاحة به. لذلك عندما تبدأ الحكومات في التعاطي مع المعارضة في بقاع العالم فإنها بذلك تجنب نفسها التداعيات، وأكثر الحقب المليئة بالعبر هي حقبة دكتاتور العراق صدام حسين
إقرأ أيضا لـ "أنور الحايكي"العدد 701 - الجمعة 06 أغسطس 2004م الموافق 19 جمادى الآخرة 1425هـ