من يذكر مجالس العزاء والمقابر في البحرين في السنوات العشرين الماضية - على الأقل - لابد أن تأتي في ذهنه صورة لذلك الرجل النحيف ذي العينين الحادتين، واللحية القصيرة البيضاء، والصوت الجهوري الذي يدعو الناس إلى الانتظام في تقديم العزاء، ويكون من قبلها قد قال عن المتوفى ما قال.
عبدالله فخرو الذي غادرنا بالأمس، كان بمثابة الصوت العالي لما يعتمل في نفوس الكثير من الناس ولا يجرؤون على قوله، أو أنهم إن قالوه فلا يصل إلا أمتاراً قليلة.
بسهولة تستطيع أن تختلف مع بوعلي، ولكن بسهولة أكبر تتفق مع حسه الوطني الصافي، الذي لا يمكنه أن يرى الظلم والاستغلال والعسف والنهب من المال العام فيظل ساكتاً... يخشاه ذوو الكراسي، وخصوصاً في مجالس العزاء، إذ يتكهرب الجو بمجرد لقاء الطرفين، فيبدأ في محاسبتهم بصوت عالٍ وكأنه ديوان محاسبة في رجل ولا يملكون مجاراته... يطوف بالمستشفيات كل يوم جمعة على من يعرف ومن لا يعرف، يوصيهم بالصمود في وجه الفساد، ومقاتلة الظلم بدلاً من مقاتلة بعضهم بعضاً... لا يتردد في ذكر مثالب من يعتقد أنهم ظلمة، فإذا ذكَّره الناس بـ «اذكروا محاسن موتاكم»، ذكرهم أن «لا غيبة لفاسق».
في السنوات الأخيرة من عمر بوعلي، كان قد هدَّه التعب والأوجاع التي هاجمته، وهو الذي كان يدخل السجن عن طيب خاطر، ويخرج منه إليه، بسبب آرائه التي لا يحتمل أن يختزنها في صدره، ولكنه لا يفوِّت شأناً وطنياً إلا وكان حاضراً فيه، وله فيه رأي حتى وإن لم يعجب البعض.
بعضهم حاول أن يأخذ مكان عبدالله فخرو، في المقابر ومجالس العزاء، ولكن الناس كانوا يعرفون أن الأمر لا يتوارث أو يهدى، وكانوا يعرفون أن «فخرو» وحده القادر على رفع عقيرته، في حين كان الكلام من سجن والصمت من خور
إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"العدد 701 - الجمعة 06 أغسطس 2004م الموافق 19 جمادى الآخرة 1425هـ