الصناديق الخيرية ينتظرها الكثير من العمل، والمستقبل سيلقي على كاهلها الكثير من الأعباء. فمشكلة البطالة لا يبدو أن في الأفق حلاً ولا علاجاً لها، ومستوى الفقر في البلد لا يبدو انه سيتراجع إلى الخلف، على رغم ما نسمعه ونقرأه من مؤشرات وأرقام وأقوال عن النمو وتحسّن الوضع الاقتصادي، الذي لا يرى الناس ثماره إلاّ على جماعة من الناس المحظوظين دون آخرين.
وبإمكان هذه المؤسسات الخيرية أن تقوم بعملٍ كثيرٍ يخدم المجتمع الذي أنبتها وتحقق الغايات الكبيرة التي انطلقت لأجلها. أحد أهم المشروعات التي نوقشت في الفترة الأخيرة هو اتحاد الصناديق الخيرية. وهو مشروع من شأنه إذا تم توفير سبل النجاح منذ الآن أمامه، أن يعطي دفعة جديدة وقوية للعمل الخيري العام بالبلد، سواء على مستوى التعامل الرسمي أو التسهيلات والمساعدات المخصصة للصناديق أو على مستوى النظرة الاستثمارية بعيدة المدى الغائبة في الفترة الحالية. يكفي ان هذا المشروع مرشّحٌ ليكون ثاني أكبر اتحاد عام في البلد بعد اتحاد العمال.
هذا المشروع يحتاج إلى تكاتف الجميع لإنجاحه، والسير به إلى بر الأمان. هناك محاولات خارجية لتسييسه، أو إلقاء الشكوك في طريقه من الآن. والعمل الخيري يحمل شهادة تقديره من المجتمع، من خلال ما حقّقه من نجاحات وأعمال خلال عقدٍ أو يزيد قليلاً. ولكن أهم ما يواجهه من تحديات هو التحدي الداخلي، وهو ما يوجب وضع آلية للعمل تضمن اجتماع كلمة الصناديق الكبيرة والصغيرة على أهداف عليا مشتركة، وفق رؤية واضحة.
إحدى الإشكالات التي أثيرت مع بداية المشروع هي مسألة الاشتراكات التي ستدفعها الصناديق من موازنتها، وهنا أثير إشكال عن مدى «مشروعية» دفع هذا المبلغ من الموازنة. أحد الصناديق حاول أن يتجاوز هذا الاشكال ودفعاً لما يمكن أن يقوله الناس عن فائدة المشاركة في الاتحاد، فاتفق مجلس ادارته على جمع مبلغ الاشتراك بأن يدفع كل عضو في المجلس حصة معينة. هذا الحل قد يكون ممكناً لهذا الصندوق، ولكن ماذا عن الصناديق الصغيرة ومحدودة الإمكانات؟
نحن لا نناقش الشرع، فللشرع رأيه المقدس الذي يحترمه الجميع، ولكن مثل هذا العمل الكبير الذي يبشّر بالخير للمستقبل يحتاج إلى حلول أكثر عملية، وإلى آلية أكثر مرونة، وإلى عقليات أكثر ديناميكية لضمان المضي في المشروع وتوفير آليات نجاحه من البداية. ولا نعتقد أن الشرع سيعارض مثل هذه الأفكار التي تنتقل بالعمل من نطاق جمع التبرعات اليومية إلى التأسيس للعمل المؤسسي الذي يستشرف آفاق المستقبل.
العمل الخيري اليوم أمام خيار «استراتيجي» يتعلق بمستقبل آلاف الفقراء والمحرومين والمحتاجين الذين يعيشون في قاع المجتمع. وعلى مجالس الأمناء المعنية بإقرار وإشهار هذا الاتحاد، مسئولية توفير كل المقومات لتطل هذه النبتة الطرية برأسها من تحت التراب. فكما قلت لكم، ليس هناك خوف من التحديات الخارجية والانتقادات الخارجية المشككة، وانما الخوف كل الخوف من التحدي الخارجي
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 700 - الخميس 05 أغسطس 2004م الموافق 18 جمادى الآخرة 1425هـ