العدد 699 - الأربعاء 04 أغسطس 2004م الموافق 17 جمادى الآخرة 1425هـ

«القاعدة» والحرب الخاسرة ضد الرأسماليين

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

وحدها الكاميرا صورت لحظات مهمة في التاريخ الحديث. مشاهد طائرات ترتطم بمركز التجارة العالمي وتطرحه مع البرج الملحق به أرضاً إذ لقي أكثر من ثلاثة آلاف شخص مصرعهم، وكذلك عندما تم نقل النبأ إلى الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش وكان في صباح ذلك اليوم يزور إحدى المدارس ويقرأ أمام نفر من الأطفال واحدة من القصص. لكن الفترة الزمنية بين اطلاعه على أن الولايات المتحدة تعرضت لاعتداء ومغادرته أرض المكان وتوجهه على الفور لمتابعة التطورات على متن طائرة الرئيس Force 1 كانت سبع دقائق وصفها تقرير لجنة التحقيق التي شكلها مجلس الشيوخ الأميركي للنظر في خلفيات هجوم الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول العام 2001 بأنها كانت بالغة الأهمية كان يمكن استغلالها لإصدار أوامر عاجلة لمواجهة الكارثة التي حلت بصورة خاصة على مدينة نيويورك. ماذا كان يدور في رأس بوش خلال هذه الدقائق. ما تكشفه الكاميرا أنه مضى يروي قصة للأطفال ثم توقف وصافح من حوله وغادر المدرسة من دون أن تصدر عنه كلمة واحدة. حين مثل بوش أمام لجنة التحقيق التي وصفت بأنها محايدة قال انه في قرارة نفسه شعر بمدى الحاجة إلى التزام الهدوء وراح يفكر فيما هو قادم عليه. لكن الشعب الأميركي لم يعبأ لما كان يفعله الرئيس في ذلك الوقت بل كان يتابع ما ينقله التلفزيون عما كان يحدث في منطقة مركز التجارة العالمي، أناس يرمون أنفسهم من الطبقات العليا مفضلين الموت حرقا ثم دخان ورماد أبيض وموت في كل مكان وكأن قنبلة نووية ضربت مدينة نيويورك. سبع دقائق هدوء تعبر عن الصدمة لكنها تكشف أيضا ضعف القوة الأميركية في مواجهة اعتداء. وكان ذلك نتيجة فشل أجهزة الأمن الأميركية التي تتجسس على جميع دول العالم في رصد تحركات مجموعة من الشبان العرب الذين كانوا قد وضعوا قبل وقت خطة في أفغانستان وألمانيا للقيام بهذا الهجوم ولم يكونوا على بعد عن مراكز الشرطة وعملاء السي آي إيه والشرطة الفيدرالية. والخلاصة التي توصل إليها تقرير لجنة مجلس الشيوخ أن أجهزة القوة العظمى الوحيدة في العالم كانت عاجزة عن منع وقوع الهجوم وساعة وقوعه. وكأن هناك رغبة في تغيير الولايات المتحدة وأن هذا لم يكن ليتحقق من دون صدمة من هذا النوع. وليس غريباً أنه في المكتبات الألمانية فقط ما يزيد على دزينة من الكتب التي تطرح نظريات تقول ان ما حصل يوم الحادي عشر من سبتمبر العام 2001 عبارة عن مؤامرة. بين هذه الكتب مجموعة من النظريات والتحليلات وضعها وزير ألماني خدم في حكومة المستشار الاشتراكي السابق هيلموت شميت كشف فيها عن احتمال أن تكون «إسرائيل» علمت مسبقا بمخطط محمد عطا ورفاقه وأن أجهزتها تعمدت عدم إطلاع الأميركيين على ما كان يجري حين كان عطا وزياد جراح ومروان الشيحي يتدربون على قيادة الطائرات في فلوريدا. ويجد الكثير من المحللين صعوبة في قبول الرأي القائل أن الإدارة الأميركية وأجهزة الأمن التابعة لها في طول وعرض الولايات المتحدة لم تتنبه لمنفذي الهجوم. وهذا ما ينطبق على جميع التفاصيل بما فيها السؤال المتعلق بكيفية صعود الشبان على متن الطائرتين وبحوزتهم سكاكين تستخدم لقص السجاد ومعهم أيضا زجاجات تنشر دخان البهار وبالتالي كيف نجحوا بسهولة في السيطرة على الطائرات وذلك داخل الأراضي الأميركية وعلى رغم وجود رئيس أكبر دولة في العالم تحت إمرته وزارة دفاع يزيد حجم موازنتها على موازنة دول بأسرها وخمسة عشر جهاز استخبارات وسلاح جوي ليس له مثيل في العالم. جاء في التقرير الذي يقع في 567 صفحة أن الذين نفذوا الهجوم قاموا بنشاطات اجتذبت انتباه السي آي إيه والشرطة الفيدرالية في عشر مناسبات على الأقل لكن نتيجة المنافسة بين جهازي الأمن الرئيسيين في الولايات المتحدة لم يجر تبادل المعلومات ولا العمل في حل ألغازها وفي النهاية انتهى تقرير لجنة مجلس الشيوخ إلى خلاصة بأن القوة العظمى بمختلف مؤسساتها السياسية والأمنية لم تتنبه إلى مأرب (القاعدة). وقال رئيس اللجنة وكان في الماضي حاكما على ولاية نيوجيرسي توماس كين انه كان في الوسع الحيلولة دون وقوع هجوم الحادي عشر من سبتمبر. فقد دخل الشبان الـ 19 أراضي الولايات المتحدة بعضهم بجوازات سفر مزورة وبتأشيرات دخول مزورة ثم غادروها وعادوا مجددا ووجدوا جميع التسهيلات متوافرة أمامهم بدءا بنقاط دخول البلاد ونهاية بنقاط التفتيش قبل صعودهم بسكاكينهم إلى الطائرات.

لكن الدعوة إلى تشكيل لجنة تحقيق محايدة لم تكن لتتحقق لولا العناد والتصميم الذي أبداه عدد من أقارب ضحايا الهجوم منهم على سبيل المثال كيرستن برايتفايسر التي فقدت زوجها إذ شكلت جماعة من الأرامل أطلقت على نفسها (بنات جيرسي) رحن يعملن في تنظيم مظاهرات احتجاج وأحطن بمؤسسات الإدارة السياسية في واشنطن وتسابقن على التسلل إلى المصاعد الخاصة بأعضاء مجلس الشيوخ لإيصال رسالتهم إلى أعلى المراجع السياسية طلبا لتشكيل لجنة تحقيق تكشف الستار عن أسئلة وشكوك. ونقلوا شكواهم أيضا إلى البيت الأبيض من دون أن يستسلمن إلى الضيافة وتناول القهوة والبسكويت مع كبار العاملين في إدارة بوش. كما كتب عليهن النظر بألم لمحاولات الإدارة إخفاء معلومات عن لجنة التحقيق والسعي إلى إفناء وثائق مهمة ومحاولة منع عدد من المسئولين المثول أمام لجنة التحقيق بداية ببوش ومستشارة البيت الأبيض للأمن القومي كونداليزا رايس.

كان هجوم «القاعدة» في الحادي عشر من سبتمبر العام 2001 هجوما على المركز الاقتصادي الأميركي. وكان الهدف ليس ضرب أبرز رموز القوة العظمى المتمثل في البرجين ولكن توجيه ضربة قاصمة لاقتصادها. لكن الكثير من المحللين صرفوا النظر بعض الوقت عن بعض الحقائق وربما بين الأهم فيها وهي أن الهجوم على نيويورك وواشنطن أضعف الاقتصاد الأميركي لكن لوقت محدد. وتكشف التهديدات الجديدة التي أعلنتها الولايات المتحدة أن معركة «القاعدة» ضد مراكز الاقتصاد الأميركي والعالمي أي الحرب ضد الرأسماليين مازالت قائمة. فالأهداف المرشحة لاعتداء جديد تمثل مركز ثقل في الاقتصاد الأميركي والعالمي وخصوصا أنه بينها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. يشار إلى أن «القاعدة» سعت إلى ضرب اقتصاد السياحة العالمي من خلال تفجيرات بالي وإفريقيا والدار البيضاء وكذلك من خلال مهاجمة شركات النفط في السعودية وبث الذعر في نفوس الخبراء الأجانب ودفعهم إلى مغادرة الأراضي السعودية بهدف تعطيل عجلة الاقتصاد السعودي.

ويأتي الكشف عن تهديدات «القاعدة» بعد أيام قليلة تلت نهاية مؤتمر الحزب الديمقراطي وتأييده قرار أن يقوم السناتور جون كيري بمنافسة بوش على الرئاسة بتاريخ الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. هذه التهديدات وحال الطوارئ وعودة انشغال الأميركيين بأمنهم الخاص وبأمن بلدهم من شأنها أن تسهم في ارتفاع شعبية بوش مجددا ومن يدري فقد تسهم «القاعدة» التي تسببت عملية تفجير القطارات التي قامت بها في مدريد بالإطاحة بحكومة رئيس الوزراء الاسباني اثنار أن تسهم مرة أخرى في التأثير على مسار عملية انتخابية جديدة تكون نتيجتها حصول بوش على ولاية ثانية في البيت الأبيض. فقضية الأمن من الأولويات عند الشعب الأميركي ورئيسه. لكن إذا كان الاستراتيجيون في «القاعدة» يعتقدون أنهم اضروا باقتصاد الولايات المتحدة فإنهم فعلوا ذلك لكن لوقت محدد. صحيح أن شركات طيران أفلست وسرحت موظفيها كما أضرت بالاقتصاد السياحي في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط كما أدت إجراءات المطارات والموانئ ونقاط العبور الأميركية إلى تراجع عدد السائحين إلى الولايات المتحدة. غير أن هناك وظائف عمل جديدة وجدت بسبب الاستثمارات الكبيرة والأموال التي أنفقت على الأمن والانتعاشة الهائلة التي طرأت على شركات تأجير المرتزقة. وهي الشركات التي كلفتها الحكومة الأميركية بمساعدة قواتها العاملة في العراق ومناطق أخرى ويقوم أعضاؤها بحماية أعضاء الحكومة المؤقتة في العراق. وتم صرف ما يربو على 5,1 بلايين دولار على الأمن. تم ذلك في الوقت المناسب لإدارة بوش التي كانت تقف حائرة أمام صعوبة التحول والتعامل مع عولمة الاقتصاد. ويجري بصورة متزايدة توظيف أموال في مجال الأمن. هل كان هذا في حساب «القاعدة» أم في حساب الأميركيين حين وقع هجوم الحادي عشر من سبتمبر العام 2001؟

العدد 699 - الأربعاء 04 أغسطس 2004م الموافق 17 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً