العدد 699 - الأربعاء 04 أغسطس 2004م الموافق 17 جمادى الآخرة 1425هـ

طهران وبرج ميلاد وملفات أخرى

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

طهران عاصمة الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي أرسى قواعدها الفقيه المُجدد الإمام روح الله الخميني، مدينة حديثة النشأة كعاصمة بعد أن نُقلت مركزية الحكم السياسي والاقتصادي من إصفهان إليها العام 1788. والآن يعود الحديث من جديد «على رغم نفي وزير الداخلية موسوي لاري» عن إمكان إعادة العمل بالمعادلة الجغرافية القديمة بسبب تخوّف قدوم مدّ زلزالي هائل يقضي على حياة 700 ألف طهراني ويُدمر 55 في المئة من أبنية المدينة، بعدها ستضطر الدولة إلى استخدام 23 في المئة من ناتجها القومي لإصلاح ما سيخرّب ويُدمّر، وهو ما أشار إليه بشكل صريح أستاذ علم الزلازل في جامعة طهران بهرام أكاشيه.

هذه المدينة التي تقف على كفّ عفريت ويقطنها زهاء ثمانية ملايين نسمة أو خمسة عشر مليوناً إذا أضيفت إليها أعداد سكان المدن المحيطة ومن يأتيها في فترة الذروة، تعيش حالاً من الزهو والتميّز، فبالإضافة إلى تمتعها بأسواق السجاد العالمي والنسيج والجلود والسكر والزيوت ومصافي النفط والبساتين الفارهة، فانها تشهد تطوراً عظيماً في مجال مترو الأنفاق الذي بُدئ العمل به فعلياً في مارس/ آذار العام 1998 وحتى يونيو/ حزيران 2002 عبر تشغيل الخطوط (1، 2، 5) بطول 60 كيلومتراً وبعدد 26 محطة. وعلى رغم أن المدينة تحتاج إلى ثمانية خطوط مترو وإلى خمسة خطوط ربط نحو المدن الطرفية حول طهران؛ فإن تلك المرحلة وهي الأولى قد استطاعت أن تُوفر لـ 350 ألف راكب إيراني يومياً فرصة استخدام المواصلات المُؤمّنة تقنياً، مُوفِّرة 100 مليون لتر من الوقود الأحفوري بقيمة عشرين مليون دولار. وتعادل تلك الرحلات طاقة ما يزيد على أربعة ملايين حافلة أو خمسة وأربعين مليون سيارة أجرة صغيرة، كما أنها وفّرت أكثر من ستين ألف وظيفة عمل للإيرانيين. ويفوق المعدل الزمني للكيلومتر الواحد لطهران كلاً من نيويورك وطوكيو، بينما يُساوي في ذلك كلاً من موسكـو وأنقرة، ويُقارب في ذلك العاصمة البريطانية لندن.

في شهر فبراير/ شباط 2003 فاز المحافظون بقوة في الانتخابات البلدية الثانية التي شهدتها إيران مُحققين فوزاً نسبياً في بعض الدوائر، وكاسحاً في دوائر أخرى كطهران «14 مقعداً من أصل 15» ويزد «6 مقاعد من أصل 9» ومشهد وأصفهان وشيراز وقم المقدسة وفي الأرياف. ودفع التيار المحافظ بألمع منتسبيه وأكثرهم طوباوية وشعبية كمحاربين قُدامى مُخضرمين من الجيل الأول للثورة كمهدي جمران وعباس شيباني، وهو من أمهر أطباء الطب البشري في إيران وكان ممثلاً للإمام الخميني في البرلمان وعضواً فيه لأربع دورات متتالية، كما أنه معروف بتوتاليتاريته الفاقعة كمبدئي تستحثّه في ذلك ذاكرته الثورية. فهو لا يتسلم راتباً من الدولة منذ أن كان نائباً في المجلس النيابي، ولا يحتسي الشاي أو يشرب الماء من أماكن العمل الرسمية، مُتعيِّشاً على راتبه التقاعدي وعيادته الطبية الخاصة.

وهناك أحمدي نجاد الذي يرأس بلدية طهران، وهو بالمناسبة أحد قادة الباسدران وقوات التعبئة الشعبية «البسيج» ومن المقربين جداً للإمام الخامنئي. وهو الآخر لا يتسلم راتباً من المجلس ويكتفي بما يستحصله من الجامعة التي يُدرّس فيها بعد الظهر، وهو لايزال يحضر اجتماعات المجلس البلدي لطهران ببزّته العسكرية الخاكِيَّة الدّالة على انتمائه لـ «البسيج»، حامية الثورة وسياجها الأمني والدفاعي المنيع.

وبين أعضاء المجلس سبعة من حملة الدكتوراه وأربعة من حملة شهادة الماجستير وثلاثة يحملون شهادة البكالوريوس. أما الأخير فهو من معوقي الحرب العراقية الإيرانية ووجوده دلالة جدّ مهمّة تعبّر عن كينونة لشريحة رئيسية في فترة مفصليّة من مراحل الثورة، كما توجد من بين الأعضاء امرأتان هما مهنوش معتمدي آذري ومنظر خيّر حبيب اللهي.

وتُؤكد المهمات التنفيذية للمجلس على انتخاب رئيس البلدية ودراسة النقائص والطلبات وعمليات القصور الاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية والاقتصادية والترفيهية في الدائرة الانتخابية وإعداد المخططات وتشكيل اللجان والمؤسسات الاجتماعية والعَونية والارشادية وتأسيس تعاونيات للإنتاج والتوزيع والاستهلاك. كما تشير المهمات التقنينية للمجلس إلى التخطيط والموازنة السنوية للبلدية والنظام الأساسي للشركات والمؤسسات ومخطط الحدود والمنشآت المدنية وأسعار الخدمات والرسوم المدنية، بالإضافة إلى التصديق على الأنظمة اللازمة لغرض الأراضي المدنية غير المحصورة في شأن الصحة والراحة العامة والإعمار وجمال المدينة، وكذا التصديق على تسمية الممرات والساحات والشوارع في المنطقة المدنية وتغيير أسمائها وغيرها من الصلاحيات.

ويتألف المجلس من ثلاث لجان هي لجنة بناء المدينة الفنية والمعمارية واللجنة الثقافية والاجتماعية والمعيشة المدنية واللجنة الاقتصادية والتخطيط والموازنة والشئون الحقوقية. وتحت كل لجنة من اللجان الثلاث توجد عشرات اللجان الفرعية التي تقوم بمَيْدَنة العمل البلدي للمدينة، ويقف على رأس المجلس مهدي جمران، يليه رئيس البلدية أحمدي نجاد الذي يعينه المجلس، ويأتي تحت الرئيس اثنان وعشرون مديراً للمناطق البلدية لطهران. وتبلغ موازنة البلدية ملياري دولار، ولديها ستون خطاً هاتفياً تستقبل أكثر من 400 مكالمة يومية. وقد عقد المجلس في دورته الثانية «الحالية» 79 اجتماعاً خلال العام الماضي، واتخذ أكثر من 300 قرار. وورِثَ مجلس بلدي طهران إرثاً جيداً من الإنجاز والتعمير التي أسّست له إدارة غلام حسين كرباستشي الذي أدين فيما بعد بسوء الإدارة وتبديد المال العام وحكم عليه بالسجن عامين قبل أن يعفو عنه المرشد بعد قضائه ربع محكوميته في السجن.

كان كرباستشي ينتمي إلى حزب كوادر البناء المدعوم من هاشمي رفسنجاني، وهذا الحزب موسوم بأنه يمين الوسط الصناعي أو جماعة الستة عشر التكنوقراط الداعين إلى أن يحتل المتخصصون مراكز صنع القرار الإداري باعتبارهم الأكفأ من غيرهم الذين قد يُعيَّنون بحكم الولاء الحزبي. وقد سيطر هذا التيار على إدارة بلدية مدينة طهران إذ أظهر جدارة تعميرية نوعية، فدُشّنت الكثير من المباني والشوارع وهُندِسَت الطرقات وبُنِيَت المعالم المهمة مثل مشروع برج ميلاد، وهو رابع أطول برج اتصالات في العالم، وهو مُخصص لتأجير مواقع هوائيات الاتصالات، ويحوي مراكز رصد ومركزاً تجارياً ضخماً وآخر للمؤتمرات. ومن الأمور المهمّة المُدشّنة مركز فرز القمامة الذي يستقبل ما مجموعه 7500 طن من القمامة المنزلية يومياً يتم اختيار 70 في المئة منها كقمامة عضوية وينقل الباقي إلى المدافن. ومدينة طهران تحوي أكثر من 1300 حديقة ومتنزه، منها 150 حديقة قيد الإنشاء، ولكن أهمها حديقة حوار الحضارات التي استغرق بناؤها أكثر من اثني عشر عاماً على مساحة 11 هكتاراً.

كان المحافظون قد استغلوا حال التشرذم التي دخل بها الإصلاحيون للانتخابات حين قدموا ثلاث قوائم بدلاً من واحدة لثمانية عشر تنظيماً لتحقيق فوز خاطف، كما أنهم استغلوا أيضاً حال الهرج والمرج التي زجّ الإصلاحيون المتطرفون بأنفسهم فيها ليعيد التيار المحافظ حضوره في أجهرة الدولة، وكان فوزه رسالة بملامح واضحة للمعنيين في تيار الثاني من خرداد حول جدّية التحالف الموضوعي بين الإنجاز الفعلي والعمل بهدوء مع ورقة الناخب الإيراني، وهو المناخ الذي يبدو أنه أخذ يتبدَّى للكثيرين من الإصلاحيين الذين استهوتهم نتائج التصويت الفلكية في بداية مشوارهم السياسي وتكّلهم الحزبي، وأصبحوا كشريك صعب يريد أن يحصل على كل شيء ولا يترك لشركائه بعده كثيراً أو قليلاً، وبدا كأنه عناد تحكم في العقل وأنه غرور القوة آخذ أصحابه إلى منتهاه

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 699 - الأربعاء 04 أغسطس 2004م الموافق 17 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً