أعلنت منظمة مجهولة الحسب والنسب تدعى «التخطيط والمتابعة» مسئوليتها عن تفجير الكنائس في بغداد والموصل. من هي هذه «المنظمة»؟ ومن يقف وراء عملياتها المشبوهة؟ ومن هو المستفيد من أعمالها؟ وما هي أهدافها القريبة والبعيدة من سلسلة التفجيرات؟ لا أحد يعرف ولا معلومات موثقة عن هذه الجهة ولا عن الطرف الذي خطط ويخطط لها. كذلك لا تعريف لكلمة «المتابعة» وهل تعني المنظمة المجهولة الفصل والأصل انها تريد متابعة أفعالها الشنيعة لتوريط المجتمع في فتنة أهلية أو لتخويف «الأقليات» ودفعهم نحو المغادرة أو الهجرة أو التكتل في احياء خاصة منعزلة عن حياة العراق ومستقبله.
كل هذه الأسئلة تثير من جديد علامات استفهام سبق وان طرحت في مناسبات مشابهة. «فمن هو الفاعل الحقيقي؟» هذا هو السؤال. و«من المستفيد من هكذا أعمال؟» هذا ايضا سؤال آخر يصب في اتجاه فحص حقيقة تلك البيانات التي تنشر على «الإنترنت» ولا يعرف الطرف الذي يسارع دائما إلى الاعلان عن مسئوليته.
حرب المجهولين تبدو هي العلامة الأكثر وضوحاً في تلك الفوضى التي يعاني منها العراق. وهذه الحرب تبدو عامة وممتدة منذ ان وصلت إلى البيت الأبيض الوثيقة الغامضة في اغسطس/ آب 2001 وقبل شهر من هجمات 11 سبتمبر/ ايلول. هذه الوثيقة التي وردت من مصدر مجهول وحذرت الإدارة الأميركية من أعمال ستقوم بها عناصر تابعة لـ «القاعدة» اهملتها آنذاك إدارة جورج بوش معتبرة اياها مجرد ورقة لا تتضمن معلومات وتستند إلى فرضيات وهمية.
وحين وقعت الهجمات تذكرت إدارة البيت الأبيض تلك الوثيقة «المهملة» وعادت اليها باعتبارها الدليل الوحيد الذي يثبت مسئولية «القاعدة» عن الهجمات. فقبل 11 سبتمبر كانت «وثيقة أغسطس» مجرد ورقة لا قيمة لها، وهي فعلاً كذلك. وبعد 11 سبتمبر اصبحت تلك الورقة فائقة الاهمية لأنها شكلت المستند الوحيد عند بوش الذي يثبت ان «القاعدة» وراء تلك الهجمات. وهكذا كان.
الأمر نفسه تكرر مع نظام العراق السابق. فالإدارة بنت سياستها على شائعات ومعلومات مجمعة من هنا وهناك وتبين لاحقاً انها كاذبة أو مضخمة... حتى تلك الورقة التي قيل انها تثبت وجود صفقة «يورانيوم» مع النيجر تبين ايضا انها مزورة، وسكتت الإدارة عن الفضيحة حين ذكرت الأجهزة الأمنية انها ابلغت رجال الرئيس بالأمر، ولكن «الرئيس» تجاهل أو ان التوضيح لم يصله.
اذاً نحن نعيش في عالم من الضباب تتحكم به أجهزة خفية تسرب معلوماتها الكاذبة بطرق شتى منها «الإنترنت» الذي تحوّل إلى أسهل وسيلة تستخدم للتضليل وإثارة الغبار حول الحقائق ومنع كشف الجهات الحقيقية التي تقف وراء تلك الاعمال المشينة وآخرها تفجير كنائس في بغداد والموصل.
عالم الضباب هذا تقوده الآن شبكات «الإنترنت» التي تحولت وظيفتها من نقل المعلومات للناس الى التستر عليها وتضييع «بوصلة» الاتجاهات وتزوير البيانات وتضليل المباحث والمخابرات. والبدعة الأخيرة في هذا الاطار كانت توريط وزير الأمن الأميركي طوم ريدج في «حزمة» من المعلومات «المؤكدة» عن وجود مخطط لتنظيم «القاعدة» لضرب مراكز اقتصادية في واشنطن ونيويورك ونيوجرسي. تورط ريدج في معلومات «الانترنت» وأعلن الاستنفار العام ورفع درجة اليقظة الى «اللون البرتقالي». وتبين بعد ثلاثة أيام على هذه «المعلومات المؤكدة» انها مجرد وريقات نشرت على «الانترنت» قبل ثلاث سنوات واعيد ارسالها مجدداً. فالفضيحة تستحق ان يستقيل وزير الأمن بسببها. لكن الوقاحة وصلت كما يبدو الى حدها الاقصى في إدارة بوش. فالوزير «العبقري» لم يستقل أو يعتذر.
وفي السياق نفسه يمكن ان نقرأ «وثيقة أغسطس» أو «بيان التخطيط والمتابعة» وغيرها من صور واشرطة تتضمن تهديدات وانذارات تنسب الى جماعات مجهولة الحسب والنسب.
نحن الآن نعيش عصر «الانترنت». وهذه الوسيلة كما يبدو لها أكثر من وظيفة. الأولى نشر المعلومات، والثانية التغطية على الحقائق أو تلفيقها لتضليل أجهزة الأمن والمخابرات، وتوريط الدول الكبرى في معارك يتبين لاحقاً انها وهمية ومن إنتاج «الانترنت».
نحن في عصر المعلومات وليس بالضرورة ان تكون دائما صحيحة! أليس كذلك يا طوم ريدج؟
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 699 - الأربعاء 04 أغسطس 2004م الموافق 17 جمادى الآخرة 1425هـ