العدد 699 - الأربعاء 04 أغسطس 2004م الموافق 17 جمادى الآخرة 1425هـ

«الحيوان الباكي»... «ديوان الشرق والغرب»

قبل اندلاع النقاش الساخن بشأن موضوع نظرية صراع الثقافات التي اشعلها العالم اليهودي الأميركي صموئيل هنتنغتون بعقود طويلة، كان الشاعر الألماني يوهان فولفغانغ غوته يتحدث عن الشبه الخصب بين الثقافات، شرقها وغربها. وكون غوته الذي تولع بسحر ثقافة الشرق وأعجب بالآيات القرآنية، أول من صاغ تعبير الأدب العالمي. ليس هذا فحسب. بل كان يعيش هذا الأدب منذ شبابه وحتى وفاته بعد أن ناهز سن الثمانين. ولعل ديوانه «الديوان الشرقي الغربي» خير تعبير عن رغبة الشاعر الألماني غوته في المساهمة في الانفتاح على الثقافات الأخرى والاستفادة من آدابها لاسيما الثقافة الشرقية. على خطى غوته، يسير في العامين الأخيرين عدد من الشعراء والأدباء من ألمانيا ومن المشرق أي من العالم العربي وتركيا وإيران وذلك في مشروع يحمل اسم ديوان غوته المشهور.

الديوان الجديد للشرق والغرب قام بافتتاحه الشاعر اللبناني عباس بيضون مسئول الصفحة الثقافية في صحيفة «السفير» اللبنانية وذلك في خريف العام 2002 عندما جاء إلى برلين ليتعرف على الروائي الألماني ميشائيل كليبيرغ. بعد ذلك تبادلت الروائية المصرية ميرال الطحاوي الزيارة مع الكاتبة الشابة البوسنية الأصل ماريكا بودروتيتش. وفي العام الماضي كان التبادل بين الروائي الألماني الشاب يواخيم هلفر والروائي اللبناني رشيد الضيف. كما سافرت الشاعرة والقاصة الألمانية أولريكه دريسنر إلى الدار البيضاء إذ التقت بالشاعر عبدالله زريقه الموجود حاليا في ألمانيا. أما في مطلع العام الجاري فقد حل الروائي الألماني مارتن موزيباخ ضيفا على الأديب المصري الكبير إدوارد الخراط الذي يستعد لزيارة برلين هذا الصيف. ما أثر هذه اللقاءات؟ هل يقيم الكاتب بهذه الطريقة حوارا فعالا مع ثقافة غريبة عليه؟ أم أنها لا تعدو أن تكون سياحة أدبية لا تثمر في النهاية شيئا يذكر؟ قبل أسابيع صدر في ألمانيا كتاب ميشائيل كليبيرغ «الحيوان الباكي» الذي يعتبر أول ثمار مشروع ديوان الشرق والغرب والذي قد يجيب على بعض الأسئلة المطروحة عن فائدة المشروع.

للوهلة الأولى يبدو «الحيوان الباكي» تسجيلا ليوميات الرحلة التي قام بها ميشائيل كليبيرغ إلى لبنان مطلع العام 2003 وهذا الكاتب الألماني المولود في العام 1959 ويقيم في مدينة برلين، يحكي بخفة واسلوب أدبي شيق ما عايشه في لبنان، في غالبية الأحيان من دون تعمق، ومن دون الرجوع إلى خلفيات تاريخية، ومن دون ادعاء تقديم صورة شاملة عن المجتمع اللبناني أو أدبه. وحسنا فعل كليبيرغ، فهو لم يقض في لبنان سوى أربعة أسابيع، وهي فترة لن تكفي بأية حال للتعرف على بلد وثقافة شعبه. لذلك يعترف في بداية كتابه بقصور معرفته، وبأنه لن يضيف جديدا، لا عن لبنان ولا عن الشرق ولا عن الأدب العربي الذي كان يجهله تماما، إذا استثنينا قصائد صديقه عباس بيضون وفصلا مترجما من روايته «تحليل دم» قرأه قبل مجيء بيضون إلى زيارته في برلين.

ما يميز كتاب كليبيرغ هو الرؤية الإنسانية التي يسودها الدفء والمحبة والألفة والرغبة في الاكتشاف والتعرف على الآخر وتفهمه. بهذه الرؤية ينظر كليبيرغ إلى شريكه في المشروع عباس بيضون وإلى الذين تعرف عليهم خلال رحلته وتوثقت معرفته بهم، لاسيما الروائي رشيد الضيف ويوسف عساف من معهد غوته في بيروت وزوجته التي ترجمت أعمال جبران إلى الألمانية. ومع نهاية الكتاب يدرك القارئ أن كليبيرغ قدم أكثر من يوميات مسافر لا تتوقف إلا عند السطحي والملفت للأنظار. «الحيوان الباكي» محاولة للفهم وللاقتراب من بلد وثقافة مجهولة على كاتب ألماني. ويبين كتاب كليبيرغ على نحو جلي أن الحوار بين الثقافات هو في المقام الأول حوار شخصي بين الأفراد. خلال رحلته إلى لبنان استطاع كليبيرغ أن يقيم حوارات كثيرة، كانت ثمرتها صداقات، بعضها وثيق وعميق، كصداقته مع الشاعر عباس بيضون والروائي رشيد الضيف. ثمرة أخرى لهذا المشروع أعلن عنها كليبيرغ في أمسية ادبية أقيمت أخيراً في برلين قرأ فيها «الحيوان الباكي» بمناسبة صدور مجموعة شعرية لعباس بيضون باللغة الألمانية، تضم بالإضافة إلى ذلك ترجمات جديدة لقصائده المتفرقة. وستصدر مجموعة كاملة من أعمال عباس بيضون باللغة الألمانية في الوقت المناسب عند افتتاح المعرض الدولي للكتاب في فرانكفورت في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل والذي سيكون العالم لعربي ضيف شرف عليه لأول مرة. على الأقل هذا نبأ مفرح في طريق الاستعدادات العربية لإنجاح المشاركة العربية في هذا المعرض المهم والذي يعتبر أهم وأبرز معارض الكتب في العالم. يذكر أنه تجري حاليا ترجمة كتاب باللغة الألمانية يتضمن قصصاً من العالم العربي ليعرف زوار المعرض على جانب من الثقافة العربية.

وجد كليبيرغ نفسه في حضرة زعيم عصابة تتاجر بالمخدرات. لكن السائق اللبناني نسيم الذي رافقه في الرحلة طمأنه بأن بعض السياسيين اللبنانيين أقاموا حفل غذاء على شرف السفير الياباني في لبنان وأنه ذهب في حكمه بعيدا. اعترف ميشائيل كليبيرغ أنه كلما قرأ الجديد عن أدب أصدقائه الذين تعرف عليهم أصبحت الأحكام المسبقة تضعف عنده، ويجد أن هذه الوسيلة بوسعها الانتشار على مستوى الناس والأفضل من الجانبين كي يتحول صراع الثقافات إلى حوار بناء





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً