معظم الشعوب (والعربية منها خصوصاً) تلجأ إلى الطرف لتفسر بالمزاح ما لا يمكن تفسيره بالجد. سمعت يوماً إحدى الطرف الفلسطينية التي تسير أطرفها وفق الآتي: «ذهب الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لأداء مناسك الحج، وحين وصل إلى مرحلة رمي الجمرات على الشيطان، اكتفى برمي ست منها، وحين نبهه مساعدوه إلى هذا الخطأ، رد بقوله: إني أحتفظ بالحجر السابع لمفاوضة الشيطان في حال ظهر لي». خمسة وثلاثون ألف مرة، خلال 35 سنة، كان يطرح السؤال نفسه: هل هذه بداية النهاية لعرفات؟ وفي كل مرة كان عرفات يولد من جديد بمعجزة عجيبة من تحت الرماد! اللعبة نفسها تتكرر الآن، عرفات لن ينجو هذه المرة. فمحمد دحلان والباحثون عن مواقع السلطة والثروة وراءه، وأبوالعلاء وحماس ومصر والأمم المتحدة وأميركا وأوروبا و«إسرائيل» أمامه... حقاً لا مفر؟ لكن حين يكون عنوان الحديث عرفات وحوله، تتبدد صيغ التحليل العقلاني، وتفشل كل محاولات التنبؤ بسقوطه، ترى لماذا؟ فليحاول أحدنا العثور على إجابة عن هذه الأحاجي: الرئيس الأميركي يعلن أنه لا يعترف بشرعية رئاسة عرفات ومع ذلك، يقف بقوة ضد أية محاولة إسرائيلية لقتله أو اعتقاله، لماذا؟
رئيس الوزراء الإسرائيلي يلاحق عرفات منذ 1982 حتى 2004. وطيلة تلك الفترة، سنحت أمامه عشرات الفرص لاغتياله، كما اغتال الكثير من القادة الفلسطينيين، لكنه لم يفعل!
معظم الدول العربية ضاقت به ذرعاً، لكن كل هذه الدول، ترفض دعم أي جهد لاستبداله بآخر. معظم الفصائل الفلسطينية لم تعد تقبل بالسلطة المطلقة لعرفات، لكنها لم تجرؤ على مطالبته بالاستقالة إذا ما واصل التمسك بفردانيته. لماذا؟ أحاج حقيقية، أليس كذلك؟ وبما أنه لم يتبرع أحد بعد بتقديم إجابات عقلانية، لا يبقى سوى أن نعترف أن للختيار «رب» يحميه. أما الفلسطينيون فيكفي أن نستمع إلى معزوفة شاعرهم الخالدة:
سأحمل روحي على راحتي وأرمي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدى
أما نحن فندعو: «اللهم إنا نسألك صلاة في المسجد الأقصى قبل الممات»
إقرأ أيضا لـ "ايمان عباس"العدد 698 - الثلثاء 03 أغسطس 2004م الموافق 16 جمادى الآخرة 1425هـ