بعض النواب يريد أن يدفع باتجاه إنشاء مؤسسة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. طبعا الشعار جميل ولا أريد هنا ان أدخل في النيات، ولكن أعتقد ان رفض الكثير من البحرينيين لمثل هذه الأطروحات له ما يبرره... وأنا شخصيا في المجتمع أرفض مثل هذه المشروعات لاعتبارات كثيرة:
أولا: ما طبيعة مثل هذه المؤسسات؟ هل ستكرس الوحدة الوطنية أم ستزيدنا انقساما؟
ثانياً: ما هو هذا المعروف وما هو هذا المنكر؟ ونحن نعلم أن كل جمعية إسلامية لها «معروف خاص»، فالمعروف عندهم ما عرفوا والمنكر ما أنكروا.
ثالثاً: من سيكون القائم على مثل هذا المشروع؟ وهل وزارة الشئون الاسلامية تقبل مثل هذه المشروعات؟
رابعاً: هل سنشهد رجال دين يمشون في الأسواق يضربون الناس بالعصا ليخطّئوا عقائد الناس «هذا كافر، وهذه بدعة وهذا...؟».
والسؤال: ما الذي جرّته مثل هذه الهيئات على بعض دولنا الخليجية غير تقسيم المجتمع الى عسكر وحرامية. وها نحن اليوم نأكل من رغيف مثل هذه الخطابات.
خامساً: من يريد أن يلقي على الناس التهم يجب ان يكون فوق مستوى الشبهات.
المجتمع البحريني مجتمع متسامح لا يحتاج الى وصايا قروسطية من هنا أو هناك. ومن يريد ان يستعرض عضلاته فهذا ميدان السياحة وهناك عشرات الأماكن التي تحتاج الى تنظيف... ثم لماذا التركيز على الأمر بالمعروف الخلقي فقط وهناك مؤسسات تحتاج الى أمر بالمعروف في جوانب المال والإدارة وغسيل الاموال وغيرها. اذا كان هناك من نخوة فهناك القضاء وهناك حقول تحتاج الى إعادة نظر. أين هم من الأمر بالمعروف وما يجري في المؤسسات من محسوبيات؟ علما بأن الخطوط التكفيرية هي أكثر المتورطين في تأصيل المحسوبيات واختطاف المؤسسات العامة لصالح جمعياتهم المؤدلجة. ومن شاء نطرح له القضايا بالاسماء... مؤسسات حكومية تحولت أقسامها الى فروع لجمعيات. هل هذه هي الأمانة؟ فلنتعلم من بعض الدول العربية وغيرها وما يحصل لها من إرباك أمني وثقافي وديني بسبب الخطابات التكفيرية.
لا نريد لمستقبلنا أن يصبح مظلما بالوصايا والفتاوى، ولا ان يقف رجل بعصاه كل يوم ليمنع صلاة فلان ويزكي صلاة علان. هذه اللعبة خطيرة لا نقبل بها، إذ أثبت التاريخ ان من يغذيها تحترق اصابعه بها. ولقد حمى الله المملكة يوم أمس بفضل عقلاء القوم الوطنيين من جميع التوجهات عندما عملوا على استيعاب الفتنة والقضاء عليها جراء اقتراح يعمل على إلغاء الشعائر الحسينية في الوقت الذي وجدنا فيه كيف وسع المشروع الاصلاحي الحريات العامة، بل وراح يبث مراسم عاشوراء في الصحافة والاعلام والتلفزيون، وكذلك عندما رعى جلالة الملك (حفظه الله) مؤتمر التقريب بين المذاهب... هذا ما يميز جلالة الملك، حبه للبحرين وشعبها وعمله الدائم لترسيخ التعددية، حتى المسيحيون يمارسون طقوسهم في البحرين وفي كنائسهم بأمان وهذا أمر يجب ان نقدره.
البحرين بلد يجب ان يكون كعبة للحرية والتسامح الديني وتلاقي الأديان، لهذا رعت البحرين التقارب المسيحي الاسلامي وهذا ما يجب ان نعززه. فليمارس كل مسلم طقوسه على ان يحترم طقوس الآخرين، من يريد ان يذهب للمأتم فليذهب ومن يريد ان يذهب للمسجد أو المأتم فليذهب ومن كان مسيحيا ويريد ان يتعبد في كنيسته نحفظ له حقه في ذلك، لهذا نرفض ان يقف على رؤوسنا شرطة العقيدة... هذه المؤسسات اذا ما أنشئت فستُخطَف لهذه الجمعية او تلك ولن ننال منها الا تكريس الواقع المرير. حتى قضية شرطة المجتمع يجب ان نعرف ما المقصود منها ومن هم هؤلاء؟ و... واذا كان هناك من مال فائض فالبنية التحتية بحاجة الى دعم. هناك شحة في المراكز الصحية، لا توجد نواد نموذجية، نحتاج الى تأهيل الفقراء ... الخ.
جربنا في الحج وغيره أساليب التكفير التي تمارس ضدنا، فنرجو ان يعذرنا الاخوة من تحسسنا من هكذا مشروعات، إذ لاقينا الأمرّين من سياسة التهميش والتمييز التي قام بها بعض هؤلاء التكفيريين، ولن نقبل بأن تنشأ هيئات تسمي نفسها آمرة بالمعروف وناهية عن المنكر ولا نعلم ما هذا المنكر، فلربما نستيقظ ذات صباح لنفاجأ بأن شعائرنا منكر وكفر بواح تزعج الناس على طريقة ذاك النائب المعتوه، ونحن مواطنون تحملنا ألم الماضي أما اليوم فلا. لن نقبل تهميشا ولا تمييزا ولا ان تلقى علينا القمامة كما كانت تفعل الصحافة في السابق كل صباح. واذا اخطأ منا أحد فيجب ألا يعمم الحكم وسنصرخ امام الملأ قائلين: «من لم يكن منكم على خطيئة فليرمها بحجر». عقلاء القوم والوطنيون الغيارى من كل الاطياف سيضعون يدهم في يد جلالة الملك لترسيخ المشروع الاصلاحي وترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص القائم على معيار الكفاءة والولاء والحب للوطن. منا الآلاف من المخلصين من دكاترة ومهندسين ومسئولين ورياضيين وصحافيين وعلماء دين وفنانين.
إن هؤلاء خدموا البلاد وخدموا الوحدة الوطنية وها نحن يوميا نعطي صورا في ذلك، ولعل المشهد الرياضي آخر درس عفوي في ذلك. نقول ذلك لربما ينصفنا الزمن، والخطاب التكفيري مرفوض من كلا الطائفتين الكريمتين فكلاهما ناله التهميش من مثل هذه الخطابات
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 698 - الثلثاء 03 أغسطس 2004م الموافق 16 جمادى الآخرة 1425هـ