يتوقع أن يلتقي وزراء الخارجية العرب الأحد المقبل لبحث أزمة اقليم دارفور بناء على دعوة من جامعة الدول العربية في ضوء تحرك منظمة الاتحاد الإفريقي لتطويق تداعيات التدويل بعد صدور قرار مجلس الأمن الأخير.
مجلس الأمن أعطى السودان مهلة 30 يوماً لحل أزمة الاقليم، وهي فرصة غير كافية لمشكلة مزمنة. والحكومة السودانية أعطت نصف موافقة على القرار الدولي وعارضت نصفه الآخر وطلبت تمديد المهلة إلى 90 يوماً. وبدوره أعلن الجيش السوداني حال التأهب في صفوفه لمواجهة تداعيات ما أسماه قرار مجلس الأمن الذي يرجح أن يعود إلى الاجتماع مجدداً في نهاية الشهر الجاري.
الدول العربية اذاً أمام أزمة تدويل جديدة تضاف إلى سابقاتها. وفي كل مرة تبحث عن مخارج موضوعية لتطوير أطر التنسيق بينها تكتشف دائماً أنها في حال مواجهة مع الوضع الدولي.
المشهد العربي الآن في حال من التشتت الممتد من قلبه إلى اطرافه. فهناك مشكلة مع موريتانيا لم تجد طريقها للحل. وهناك مشكلة حدودية بين الجزائر والمغرب والاختلاف على وسائل حل مسألة الصحراء. والجزائر التي بدأت تخرج من أزمتها الداخلية لم تكتشف بعد طريقها الخاص لحل مشكلة التوازن بين أطياف السلطة والمجتمع الأهلي. والجماهيرية لاتزال سلطتها ضائعة في تحديد هوية الدولة بين ليبية وعربية وافريقية واسلامية وهي تعيش حالات من القلق الداخلي في لحظة تحاول فيها الانتقال من الانكماش إلى الانفلاش.
هذا الوضع المغاربي يضغط على الجبهة الغربية لمصر. ومصر التي تعتبر أكثر الدول العربية تماسكاً يبدو أنها تتعرض بدورها لهجمة من جهات مختلفة في مرحلة تشهد داخليا لحظات عدم وضوح في توازنات السلطة. مصر تعاني الآن من ضغوط حدودية. فمن جهة الغرب هناك عدم وضوح في هوية الجماهيرية وتوجهاتها السياسية المزاجية. ومن جهة الشرق فتح الصراع الداخلي في قطاع غزة مشكلة جديدة على حدودها مع فلسطين في وقت يسيطر الغموض على نوعية اللون السياسي الذي سيأخذ زمام المبادرة في حال قررت حكومة ارييل شارون إعادة نشر قواتها في القطاع المحتل. ومن جهة الجنوب اضافت أزمة دارفور أعباء جديدة ربما تحولت الى ثغرة في حال نجحت الولايات المتحدة في تدويل الاقليم ونشر قوات أجنبية في منطقة حدودية حساسة تمس أمن مصر والسودان وليبيا وتشاد.
المشهد العربي من سيئ إلى أسوأ. واللقاء المتوقع لوزراء الخارجية العرب الاحد المقبل لبحث المشكلة الناشئة بشأن دارفور يتطلب من الدول العربية التحرك السريع واخذ المبادرة السياسية حتى لا تتحول الجامعة العربية إلى مجرد وسيط بين الدول الكبرى والدول العربية، أو مجرد ملحق يضاف الى مجلس الأمن ويتحرك بناء على توجهات دول المجلس وقراراتها الضاغطة على العرب.
المشهد العربي تحول الى مشاهد متتالية تتحول من دولة الى أخرى وتنتقل من منطقة الى منطقة ولا تترك فرصة للدول العربية للتنسيق أو حتى أخذ نقاهة للتفكير في كيفية التحرك وانقاذ ما يمكن انقاذه.
قبل أقل من عقدين كانت الجامعة العربية تعاني من شلل مزمن تركز على فشلها في إدارة القضية الفلسطينية. وفي وقت كانت الدول العربية تعاني من ضعف موضعي في التقاط النقاط السياسية التي تشدها الى بعضها وتساعدها على التوفيق بين مصالحها الوطنية والقضية القومية المركزية، وجدت نفسها أمام تداعيات سلسلة حروب إقليمية وأهلية في لبنان والعراق. وما كادت الدول العربية تنجح في حل أزمة لبنان (اتفاق الطائف) وتتوقف حرب الخليج الأولى حتى دخلت في وضع دولي لا تحسد عليه حين اندلعت حرب الخليج الثانية.
الآن تدفع الدول العربية ثمن تلك الحروب من خلال فتح الثغرات على حدودها وأطرافها سواء بالاحتكاكات الثنائية بين دولة وأخرى أو من خلال توترات أهلية كما هو أمر المواجهة مع جماعة الحوثي في صعدة، أو تلك الأزمة الناشبة في دارفور.
المشهد العام يدفع نحو المزيد من التشتت العربي. فالدول تنتقل من أزمة الى أخرى. والازمات لا تنحل بل تتراكم وتضاف واحدة الى أختها. والجامعة العربية باتت الآن مطالبة بحل أكثر من مشكلة في وقت أثبتت عدم قدرتها على حمل قضية مركزية واحدة.
التشتت العربي بات مشكلة بذاته وزاد من الاعباء، وكرس سياسة عدم القدرة على التركيز في مختلف النواحي من العراق الى فلسطين وأخيرا في دارفور. فهل تصلح دارفور ما شتته الواقع العربي من أزمات مزمنة أو مستحدثة؟ الجواب لن ينتظر ما سيسفر عنه لقاء وزراء الخارجية العرب الاحد المقبل. فالقصة معروفة ولا تحتاج الى التذكير بنهاياتها
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 698 - الثلثاء 03 أغسطس 2004م الموافق 16 جمادى الآخرة 1425هـ