أخبارنا الرياضية ليست سيئةً، ويمكن لأخبارنا غير الرياضية ان تكون كذلك. فكما أبلى لاعبو منتخبنا أمام اليابان أمس فإن هناك الكثير من الإنجازات التي يمكن تنافس إنجازات الآخرين في مجالات عدة. وعندما قابلت السفير الياباني قبل فترة وجيزة لم نتحدث عن الفائز أو الخاسر في مباراة كرة القدم، ربما لأننا لم نتوقع أن تحقق البحرين المستوى العالي الذي مكنها من منافسة اليابان، ولكننا تحدثنا عن الفرصة المتاحة أمام منطقتنا بسبب ازدياد سعر النفط (وصل إلى أكثر من 44 دولاراً للبرميل أمس) وما توفره هذه الزيادة من إمكانات جديدة لتطوير اقتصاد بلداننا، فيما لو أحسنا الاختيارات الاستراتيجية.
أسعار النفط بدأت في الارتفاع منذ عدة أسابيع بسبب تزايد القلق من إنتاج النفط في العراق وروسيا ونيجيريا، والمراقبون يقولون إنه حتى لو ترتبت الأوضاع في هذه البلدان المنتجة فإن الأسعار ستبقى مرتفعة مقارنة بالماضي. ويبقى السؤال: كيف سنستفيد من هذا الارتفاع؟ وهل سنبذره كما بذرنا ثرواتنا في الأعوام الماضية؟ أم أن لدينا فكرة أكثر وضوحاً وأبعد مدى يمكن من خلالها دفع مسيرة التنمية المستديمة إلى الأمام؟
الناتج القومي للبحرين يبلغ قرابة 9 مليارات دولار، وتقديرات الاستدانة العامة تقارب 45 في المئة من الناتج القومي (حسب المصادر الرسمية)، وهي نسبة ليست سيئة إذا كانت الديون من أجل مشروعات تنموية كبرى مثل التي يجري الحديث عنها حالياً. إن ارتفاع العائدات يجب أن يستخدم للقيام بإصلاحات اقتصادية جذرية، تتعلق بالهيكلية الأساسية للاقتصاد الوطني، وهناك الآن نمو جيد في قطاع الاتصالات الذي بدأ اللحاق بالقطاع المصرفي المتطور، وقطاع الاتصالات يمكن أن يكون المنطلق لتنمية قطاع تقنية المعلومات والبرمجيات الكمبيوترية التي بإمكانها أن تستوعب الكثير من الموارد البشرية المؤهلة بصورة جيدة، ويمكن أن نكرر تجربة بانغلور الهندية التي أصبحت الآن أهم مصدر عالمي لبرمجيات الكمبيوتر.
ولكي يتحقق هذا الأمر فإن الحكومة مدعوة إلى أن تضع يدها بيد الخبراء البحرينيين الذين بدأوا الحديث عن صوغ رؤية لمستقبل البحرين حتى العام 2020، وهناك جهود حثيثة تبذلها «جمعية الإداريين البحرينية» و«غرفة التجارة والصناعة» وهي جهود محمودة، ولكنها لا يمكن أن تستغني عن دعم الحكومة ممثلة في مجلس التنمية الاقتصادية والوزارات والهيئات المعنية الأخرى.
وزارة الصناعة طرحت استراتيجية لتطوير الصناعات الخفيفة والمتوسطة، ولكن هذه بحاجة إلى أن تكون جزءاً من استراتيجية أكثر شمولاً، بحيث تتوجه الجهود الأخرى إلى الاستفادة من هذا التوجه. ثم إن هناك نوعاً من التضارب في الصلاحيات بين عدة وزارات مثل الصناعة والنفط والتجارة والمالية والاقتصاد الوطني. وهذا يجب توحيده ضمن خطة واحدة، فمثلا «سوق البرمجيات» ترتبط بالتجارة الإلكترونية، وهذه ليست من اختصاص وزارة التجارة وحسب، بل إنها مختلطة مع وزارة الصناعة التي يمكنها أن توفر التسهيلات من خلال فكرة «الميدان التقني» Technology Park، فنحن بحاجة إلى أكثر من ميدان فني وتقني وصناعي مرتبط باستراتيجية واحدة.
البحرين مؤهلة لتطور قطاع تقنية المعلومات والبرمجيات، وهي مؤهلة لأن تسير على رؤى استراتيجية مرتبطة، باقتصادات المنطقة، لأننا جزء من المنظومة الخليجية، والفرص المتاحة للبحرين من خلال الربط الاستراتيجي بالسعودية وقطر كثيرة وكبيرة. ولو كنا في أوروبا لرأينا أن خطوط السكك الحديد بدأت تمتد مع الدول الأخرى، ولرأينا البنية التحتية من إمدادات غاز وكهرباء وشوارع وتسهيلات بدأت فعلاً أو أنها قد اكتملت... فالثروة موجودة ولا يبقى أمامنا إلا الاتفاق على توجيهها وإعادة صوغ الهيكلية الاقتصادية لبلادنا... ومن ثم الانطلاق إلى المنافسة على أساس عالمي، وبإذن الله ننتصر ونفوز في الرياضة والسياسة والاقتصاد
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 698 - الثلثاء 03 أغسطس 2004م الموافق 16 جمادى الآخرة 1425هـ