بعد ثلاث سنوات من إعلان إدارة جورج بوش الحرب الدولية على «الإرهاب»، عادت واشنطن مجدداً إلى سياسة التحذير من أفعال تخريبية برفع درجة التوتر إلى اللون «البرتقالي».
فوزير الأمن كشف معلومات «لا يرقى إليها الشك» عن وجود مؤامرة لضرب بعض المراكز الاقتصادية في العاصمة الأميركية ونيويورك وولاية نيوجرسي. فاللون البرتقالي يعني في قاموس الولايات المتحدة الاستنفار العام لمواجهة ضربة يقال إن تنظيم «القاعدة» يخطط لها.
بعد ثلاث سنوات عادت إدارة بوش إلى المربع صفر في حربها الدولية على «الإرهاب». فهي الآن تعتبر أن المواجهة لم تتراجع، وتعترف ضمناً بأن إرسال القوات إلى الخارج وفتح الحروب وتقويض الدول وزعزعة الاستقرار وتهديد الأمن وفرض العقوبات أوصلت واشنطن مجدداً إلى «اللون البرتقالي».
لعبة الألوان كذبة أم حقيقة؟ فالتلاعب بالألوان ربما تكون سياسة أميركية داخلية يلجأ إليها الحزب الجمهوري كل فترة لتعبئة الرأي العام وحشد الناخب وراء إدارة لا تستقيم استراتيجيتها من دون تخويف. فالتهويل يبرر ذاك الانفاق المالي الهائل على عسكرة الاقتصاد وتطوير آلة الحروب بهدف تطويع بعض دول العالم خدمة للصناعات الحربية وشركات الطاقة.
الإدارة وصلت الآن بعد ثلاث سنوات إلى تقديم لائحة بالحسابات وما تركته سياستها من آثار سلبية على القطاعات الانتاجية الأخرى في وقت لم تنجح في كسب ولاء الرأي العام وزادت من نسبة كراهية الشعوب للولايات المتحدة.
هذا جانب من لعبة الألوان، وهو في غالبيته يقع في منطقة الكذب. والكذب حتى يلعب وظيفته السياسية يتطلب تطوير أساليب الخداع حتى يوافق الناخب الأميركي على استراتيجية الحزب الجمهوري وينساق وراء خطة إعطاء الأولوية القصوى للمسألة الأمنية. فالأمن عند إدارة بوش قبل الاقتصاد، والاقتصاد يجب أن يكون في خدمة الأمن ومن يعترض فعليه أن ينتظر ضربة مشابهة لتلك الهجمات التي وقعت في 11 سبتمبر/ أيلول 2001. والمشكلة ان الحزب الديمقراطي لا يستطيع إهمال المسألة الأمنية خوفاً من حصول ضربة تفقد الناخب الأميركي صوابه مجدداً ويعود إلى دائرة الحزب الجمهوري. فالإدارة الحالية في موقع تستطيع من خلاله ابتزاز الديمقراطي واستدراجه إلى سياسة اللعب بالألوان فيفقد أعصابه ويتورط في مزايدة داخلية لكسب شعبية من وراء الاستنفار العام وتغذية المخاوف الأمنية والتهويل بمخاطر آتية من وراء البحار.
الجانب الكاذب يعتمد أساساً على جانب حقيقي وهو أن حروب بوش الدائمة استفزت شعوب العالم واستنفرتها ودفعت الكثير من الكتل المحايدة الى التشكيك بصدق نوايا واشنطن وخصوصاً بعد النتائج الكارثية التي أسفرت عنها تلك الاستراتيجية التقويضية. فالحروب لم تطوق «الإرهاب»، بل أطقلت سراحه من جبال أفغانستان ونشرته ودوّلته وجعلت منه مادة خصبة لكل «الطوابير» و«الأفواج» و«الأطراف الثالثة» و«المرتزقة» و«الموساد» لتعلب أدوارها المتعارضة في سلسلة دول كانت آمنة ومستقرة نسبياً قبل ثلاث سنوات.
الجانب الحقيقي من المسألة الأمنية يتغذى من جانبها الكاذب (التهويل) والعكس. والجانبان في النهاية يصبان في سياسة تبرير الاهتمام المفرط لإدارة بوش في المسألة الأمنية. والمشكلة في الحزب الديمقراطي المنافس لبوش أنه لا يستطيع إهمال هذه النقطة (الأمن) في برنامجه خوفاً من أن تقع مصيبة يدفع ثمنها انتخابياً. وكذلك لا يستطيع تركيز برنامجه على هذه النقطة لأن كتلة الشر في البنتاغون هي الأكفأ في إدارة لعبة الألوان ورفعها تارة وخفضها طوراً.
التحذيرات التي أطلقها وزير الأمن الأميركي في ظل احتدام التنافس على الرئاسة قد تكون صحيحة وربما تكون كاذبة... وهي في النهاية لعبة تعتمد الألوان لجذب الناخب وتحويل أنظاره إلى الأمن وتشتيت انتباه الجمهور ومنعه من التفكير في قضايا لها صلة بحياته العادية والاقتصاد.
بعد ثلاث سنوات عادت الإدارة الأميركية إلى المربع صفر. فالحرب بدأت ضد الإرهاب رداً على هجمات 11 سبتمبر، وها هي تعود مجدداً إلى الداخل مستخدمة إنذارات وهمية لتغيير مناخ التعبئة السياسية في معركة الانتخابات الرئاسية.
إنها لعبة... وهناك كثير من الألعاب تبدأ للتسلية وتنتهي بمأساة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 697 - الإثنين 02 أغسطس 2004م الموافق 15 جمادى الآخرة 1425هـ