خرجت «القاعدة» منذ وقت عن المحرمات ومثلها تنظيمات إسلامية متطرفة أخرى تنشط داخل الأراضي العراقية. ولم يكن معهودا للرأي العام العربي والإسلامي في السابق أن يجري قتل مسلمين أو أن يتم استهداف مؤسسات تابعة لحكومات مسلمة، لكن الوضع تغير ولم يعد هناك ما هو محظور على التنظيمات المتطرفة. وكانت صدمة للعرب والمسلمين وللسعوديين خصوصاً حين قامت «القاعدة» بتنفيذ عمليات تفجير دامية داخل الأراضي السعودية واستهدفت مؤسسات أمنية ونفطية ومجمعات سكنية.
وفي العراق لم يعد خطف الرهائن مقتصرا على الغربيين والآسيويين فحسب. ففي الأيام القليلة الماضية وقف الحظ إلى جانب دبلوماسي مصري أفرج عنه خاطفوه بعد أن هددوا بقطع رأسه إذا وافقت حكومة بلاده على ارسال جنود تابعين لها إلى العراق. وتريد السعودية الآن من خلال طرحها مبادرة لنشر قوات إسلامية متعددة الجنسية القيام بدور في بناء عراق جديد وبالتالي مكافحة التنظيمات المتطرفة على أرضه. وذكرت صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه» في تقرير لها نشر الجمعة الماضي أن وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبدالعزيز اعترف بوجود محاربين سعوديين في العراق وعبر عن رغبة المملكة في أن يجري إلقاء القبض عليهم أو وقف خطرهم. كما يعزو خبراء في الغرب سبب ارتفاع سعر النفط إلى عدم استقرار الأوضاع الأمنية في السعودية.
وأصبحت السعودية خلال الأشهر الماضية هدفا لعمليات إرهابية. وعرضت الحكومة على المطلوبين الفارين فرصة التوبة والاستسلام، لكن هذه الدعوة التي وصفت بأنها مهادنة بين الدولة وخصومها الخطرين لم تمنع مواصلة مسعى بعض القوى التي توجه اتهامات الفساد للأمراء والمسئولين في مؤسسات الدولة كما لا تخفي هدفها في دفع المواطنين الأجانب لمغادرة أراضي المملكة وإضعاف الاقتصاد السعودي الذي يعتمد كثيرا على خبرات أجنبية كما تسعى إلى إضعاف ارتباطات السعودية بالعالم الغربي. في المقابل زاد عدد القوى المحلية التي تطالب بتحقيق مزيد من الانفتاح والقيام بإصلاحات.
والواضح أن القيادة السعودية أدركت أن الخطر بدأ يداهمها أيضا، ما دفعها إلى التحرك بعد أن كانت تلتزم الصمت حيال اتهامات الأميركيين لها بأنها سهلت نوعا ما هجوم 11 سبتمبر/ أيلول 2001. وتستند هذه الاتهامات إلى أن 15 شابا من أصل 19 كانوا يحملون جوازات سفر سعودية. واحتاجت السعودية إلى زمن طويل حتى قبلت هذه الواقعة وخصوصاً بعد أن بدأت قوى متطرفة تنشر الدمار داخل أراضي المملكة غير عابئة بأرواح المواطنين.
غير أن محاسبة النفس ومراجعة المواقف السياسية والقوانين والإجراءات الأمنية والبحث عن أسباب وخلفيات أعمال العنف التي قام بها أفراد تظل من أبرز القضايا التي هي معرض نقاش. وقال عضو في مجلس الشورى عبدالرحمن زميل. والذي يضم 120 شخصا «إن المملكة العربية السعودية لم تنجب أبدا إرهابيين. الأميركيون هم الذين بعثوا المتطرفين إلى الوجود، فقد جاؤوا خلال الثمانينات ليس إلى السعودية فحسب بل إلى مصر والجزائر وفلسطين والعراق وباكستان وشجعوا كل هؤلاء المتطرفين من أجل محاربة الاحتلال السوفياتي في أفغانستان وبتمويل من السي آي إيه».
كانت حقبة الثمانينات حاسمة في ظهور التيار الإسلامي المتطرف وحصوله على أرضية جديدة بعد أن تعرض في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر إلى مكافحة ليس داخل مصر وحدها، بل في طول العالم العربي حين حنق مؤيدوه على خصومه وخصوصاً الإخوان المسلمين الذين حاولوا اغتياله. وكانت أفغانستان في ظل الاحتلال الشيوعي فرصة التقى فيها آلاف الشباب المسلمين بينهم سعوديون للجهاد ضد السوفيات. بعد هزيمة السوفيات وانسحابهم من أفغانستان عاد «الأفغان العرب» إلى بلدانهم الأصلية ولم يعاملوا كأبطال بل قامت أجهزة الاستخبارات في بلدانهم بتعقبهم بعد أن سعى هؤلاء إلى ممارسة نشاطات مناهضة لحكومات دولهم. وبعد هجوم 11 سبتمبر أصبح يجري النظر لهم على أنهم إرهابيون يريدون العبث بأمن الدول التي ينحدرون منها.
لكن المفكر السعودي تركي الحمد يقول: «إن هذا لا يمثل سوى وجه من العملة»، في مقابلة مع محطة «إذاعة جنوب غرب ألمانيا». ويضيف الحمد أنه أمامنا الخطاب الديني والأفكار التي تغذي عقول المتطرفين. وذهب هؤلاء إلى القتال في أفغانستان والشيشان والبوسنة تعبيرا عن رغبتهم في ظهور حركة المجاهدين التي تستطيع أن تدين من تريد إدانته ورفع شأن من تريد رفع شأنه وأن تصبح هذه الحركة ذات نفوذ داخل العالم العربي والعالم الإسلامي.
ويشير الحمد إلى أن هناك أسبابا داخلية لتطرف مئات وربما آلاف الشباب السعوديين. ويجد أن ما يسمى نظام القيم السائد في السعودية يقوم على التحالف الذي عقد قبل ما يزيد عن مئة عام. وعلق الحمد بأن هناك قيما محددة ينبغي أن يتم نشرها عن طريق نظامنا التربوي مثل التسامح واحترام الآخرين الذين ينتمون لجنسيات وديانات أخرى وعدم اعتبارهم كفرة. وهناك قيم لابد أن يجري تعليمها لأطفالنا كي ننجح في بناء مجتمع جديد يقوم على التسامح. وإذا واصلنا تعليم أطفالنا هذه الأمور فسنضع حجر الأساس لقيام مجتمع القيم وأن أطفالنا سينشأون في إطار هذا المجتمع المتسامح وسيتم إرساء المحيط الذهني الملائم لنبذ الإرهاب. وإذا استمرت الأمور على الوضع الحالي فإن الشباب يبقون عرضة لخطر التجنيد في صفوف المتطرفين الذين يستطيعون استخدام آراء تثير اهتمامهم وتسيطر على عقولهم.
وأشارت أكثر من عملية استفتاء تمت في السعودية إلى أن فئة كبيرة من السعوديين يؤيدون أسامة بن لادن. وبالنسبة إلى غالبية النساء السعوديات فإنه أقوى رجل عربي. ولا يستغرب الحمد مثل هذه النتائج، وقال «إن السبب يعود إلى القيم التي تلقنها السعوديون». وانتقد الحمد تركيز القيادة السعودية على تجنيد قوى الأمن في مكافحة الإرهاب ويعتبر أن هذه الوسيلة ترمي فقط إلى معالجة الأعراض وليس مقاومة الداء نفسه.
كل المؤشرات تدل على أن الوضع لايزال يتجه نحو قيام صدامات جديدة داخل الأراضي السعودية على رغم النجاحات التي حققتها سلطات الأمن السعودية. ففي ظرف عام أفلحت سلطات الأمن في القضاء على ثلاثة من قياديي «القاعدة» في السعودية وكان آخرهم عبدالعزيز المقرن.
ويرى عضو مجلس الشورى عبدالرحمن زميل أن آراء الحمد مبالغ بأمرها لمقابلة دعوة الديموقراطية التي تلوح بها الولايات المتحدة وهدفها الأساسي إخضاع المنطقة برمتها إلى سلطة القوة العظمى. وقال زميل: علمنا الآباء والمربون المبدأ القائل: «لا تشق عصا الطاعة في وجه ملكك أو سيدك ولا تتمرد عليهم أو تنتقدهم علانية»، لكن هذا المنهج كان يجري العمل به في العقود الماضية. إذ كان عدد سكان السعودية 3,5 ملايين نسمة وعدد سكانها اليوم يزيد على 25 مليون نسمة وأصبحت هناك بطالة تتجاوز نسبتها 30 في المئة ومعدل الدخل الفردي تراجع بصورة ملحوظة.
بالنسبة إلى المفكر الحمد ليس هناك سوى مخرج واحد: لقد غدا الإصلاح ضرورة بالنسبة إلى الجميع، وقال: ليس بوسعك أن تظل طول عمرك طفلا وهذا ينطبق على الدول والأنظمة السياسية. حتى عندما يكون لديك نظام جيد فإنه ينبغي إصلاحه كي يتمكن من البقاء، ولذلك فنحن بحاجة إلى إصلاحات
العدد 696 - الأحد 01 أغسطس 2004م الموافق 14 جمادى الآخرة 1425هـ