تثير بعض التعليقات الإسرائيلية الأسئلة عن حقيقة اهتمام واشنطن في المرحلة الحالية بالعملية السلمية الخاصة بالصراع العربي - الإسرائيلي، انطلاقاً من البرودة الواضحة في تعاطي الإدارة الأميركية بهذا الملف بدءاً من «خريطة الطريق» التي لا يأتي على ذكرها مسئول أميركي إلاّ لتذكير الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بأن من شروط تنفيذها وقف العمليات العسكرية على الإسرائيليين والشروط الأمنية كافة التي باتت معروفة والتي تندرج في القاموس الإسرائيلي - الأميركي تحت بند «مكافحة الارهاب» وهذه «البرودة» الأميركية تشمل أيضاً «خطة فك الارتباط مع غزة» التي لا يشك اثنان في ان ارييل شارون سعى الى تأجيل تنفيذ الإجراءات الخاصة بها إلى العام 2005، لأنه ينتظر مصير الاستحقاق الرئاسي في الولايات المتحدة الأميركية. أي انه يناور ولا شيء محسوم. وأكد تقرير بريطاني ان الولايات المتحدة لم تعد مهتمة كثيراً بالعملية السلمية في الشرق الأوسط وان الآمال في إقامة دولة للفلسطينيين قابلة للحياة بدأت تتضاءل.
فصل التصريحات الفارغة
وفي توصيف للجمود الذي يعتري أي توجه لاستئناف أي مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين أو لتنفيذ خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون للانفصال الأحادي عن غزة، رجح ألوف بن في «هآرتس» ان صيف العام 2004 سيؤرَخ على انه فصل التظاهر والادعاء والتصريحات الفارغة. وأوضح بن، انه على رغم ان الكل يعلم ان ما من شيء سيستجد على الجبهة الفلسطينية - الإسرائيلية حتى العام المقبل (في إشارة إلى موعد تنفيذ خطة الانسحاب من غزة)، فإن الأطراف الرئيسية في النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي تواصل التظاهر والادعاء. مشيراً إلى ان هؤلاء منشغلون اليوم في الحفاظ على مواقعهم. فالرئيس جورج بوش يخوض حملة جديدة للفوز في الانتخابات الرئاسية.
أما رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون فيناضل داخل تكتل «ليكود» من أجل إعادة صديقه (زعيم حزب العمل) شمعون بيريز إلى وزارة الخارجية. في الوقت الذي يحاول شارون إنقاذ موقعه والتخطيط للانسحاب من غزة وشمال الضفة الغربية. هذا وتشهد حركة «فتح» حملة مماثلة بين الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات و(وزير الأمن الوقائي السابق) محمد دحلان. وتابع بن، انه من الآن وحتى تستقر الأمور، يواصل الأطراف إطلاق التصريحات والوعود الفارغة. لافتاً إلى ان أعذار شارون عن التأخير في إخلاء المستوطنات العشوائية تبدو خالية من أية صدقية مثلها مثل وعود عرفات بتوحيد الأجهزة الأمنية. حتى الإدارة الأميركية تتظاهر بالاهتمام مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. فقد سمحت للبريطانيين والمصريين بالتعامل مع عرفات ومارست في الوقت نفسه بعض الضغوط على «إسرائيل» فيما يتعلق بإخلاء المستوطنات العشوائية.
ولفت المعلق الإسرائيلي في هذا السياق إلى انه من غير المنطقي أن يضيّع الأميركيون والإسرائيليون هذا الوقت الطويل في تحديد عدد المستوطنات العشوائية الموجودة في الأراضي المحتلة. مشيراً إلى انه في حال كان الطرفان عازمين على تفكيك هذه المستوطنات فبإمكانهم أن يفككوا العدد الذي اتفقوا عليه إلى الآن. غير انه لاحظ انه بدلاً من ذلك قام البيت الأبيض بإلغاء قراره إرسال خبراء إلى «إسرائيل» من أجل مراقبة عملية تجميد الاستيطان. وفضلت واشنطن التعامل مع هذا الموضوع على مستوى السفارات فحسب.
وأما رئيس الوزراء الإسرائيلي فيؤكد يومياً عزمه على المضي قدماً في خطة فك الارتباط وعلى وصف الخطة بأنها مفترق طرق في تاريخ «إسرائيل». لافتاً إلى ان هذه التأكيدات لا تنسجم مع ما يجري داخل الحكومة الإسرائيلية. ورجح بن، أن يحاول شارون خلال الأسابيع المقبلة أن يتغلب على منافسيه في تكتل «ليكود» الذين سيحاولون من جهتهم العثور على ثغرات في تأكيدات رئيس الوزراء. ورجح أيضاً في حال نجح هذا الأخير في تخطي منافسيه والتخلص من إمكان إجراء انتخابات مبكرة، أن يستمر شارون في تضييع الوقت حتى إصدار القرار النهائي فيما يتعلق بإخلاء المستوطنات في الربيع المقبل. وعندها فقط ينتهي فصل التظاهر والادعاء، يختم بن مقالته.
تصعيد لا يثير العالم
وفي مسألة ميدانية تتعلق باحتلال القوات الإسرائيلية لبيت حانون، جاءت لافتة إشارة أحد المعلقين الى ان طبيعة النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي تشهد تحولاً وان تصعيد الاعتداءات واحتلال المزيد من المدن لم يعد يثير العالم. فقد أشار عاموس هاريل في «هآرتس»، إلى ان وجود الجيش الإسرائيلي في بيت حانون، شمال قطاع غزة، لا يمكن وصفه بأنه «عملية عسكرية» بل يأتي في إطار إعادة انتشار القوات الإسرائيلية في تلك المنطقة. وذكّر هاريل، انه في ابريل/ نيسان 2001 دخل الجيش الإسرائيلي إلى بيت حانون، غير انه اضطر إلى الخروج منها تحت الضغط الأميركي. غير انه لفت إلى ان طبيعة النزاع (الفلسطيني - الإسرائيلي) تغيرت وأصبح بإمكان القوات الإسرائيلية أن تبقى في تلك المنطقة شهوراً طويلة من دون أن تثير اهتمام العالم. ولفت إلى ان الجيش الإسرائيلي قرر تحويل بيت حانون إلى منطقة أمنية. وأوضح ان هدف انتشار الجيش الإسرائيلي في تلك المنطقة هو وضع حد لعمليات إطلاق صواريخ «قسام» إلى «إسرائيل». مشيراً إلى ان هذا الهدف لم يتحقق بالكامل. فخلال الشهر الماضي نجحت 26 من أصل 49 محاولة لإطلاق صواريخ من شمال غزة في استهداف الأراضي الإسرائيلية.
وأشار المعلق العبري إلى ان الجيش الإسرائيلي كان يتوقع من السلطة الفلسطينية أن توافق على تحمل مسئولية المنطقة وتقوم بوضع حد لعمليات إطلاق الصواريخ. لافتاً إلى ان محادثات جرت مع الفريق عبدالرزاق المجايدة عن هذا الموضوع. غير ان اندلاع الفوضى في غزة وضع حداً لتلك المحادثات، دائماً على حد قول هاريل. ورجح هذا الأخير أن يبقى الجيش الإسرائيلي مدة طويلة في شمال غزة. لافتاً إلى ان ثمة احتمالاً كبيراً أن يبقى الجيش في تلك المنطقة إلى حين المباشرة في تنفيذ خطة الانسحاب من غزة في العام 2005.
ويوضح، الظروف المحيطة في الملف الفلسطيني - الإسرائيلي، التقرير البريطاني الذي نشره باتريك ونتور في «الغارديان» (البريطانية) الذي كان كشف قبل يومين من مقالة بن، ان الحكومة البريطانية اعتبرت في تقرير حصلت صحيفة «الغارديان» على نسخة منه، ان الولايات المتحدة لم تعد مهتمة كثيراً بالعملية السلمية في الشرق الأوسط وان الآمال في إقامة دولة للفلسطينيين قابلة للحياة بدأت تتضاءل.
حل الدولتين مستحيل
ولفت ونتور، إلى ان التقرير الذي أعدته دائرة التنمية الدولية في الحكومة البريطانية بالتشاور مع وزارة الخارجية البريطانية يشير إلى ان الولايات المتحدة هي مفتاح السلام في الشرق الأوسط لأنها الدولة التي تتمتع بأكبر قدر من التأثير على «إسرائيل».
وأضاف ان التقرير يلاحظ ان الاستياء من بعض جوانب القيادة الفلسطينية والانشغال في العراق والانتخابات الرئاسية والقلق على أمن المواطنين الأميركيين يمكن أن تؤدي إلى تخلي أميركا عن عملية السلام التي بدأت تنهار فعلياً.
ولفت المعلق إلى ان التقرير يعتبر ان الخطة الإسرائيلية للانسحاب من غزة لا علاقة لها بـ «خريطة الطريق» وستساهم في ارتفاع حدة العنف بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وتوقع انه في حال لم يتم التحرك من أجل وضع حد للعنف بين الجانبين فإن التوسع الاستيطاني الإسرائيلي وبناء الجدار الفاصل سيجعلان من حل الدولتين أمراً مستحيلاً. لذلك يقترح التقرير إجراء مفاوضات عن خطة الانسحاب باعتبار ان ذلك هو السبيل الوحيد للعودة إلى «خريطة الطريق» وحل الدولتين.
ولاحظ التقرير غياب الالتزام الدولي الفاعل في العملية السلمية في الشرق الأوسط بسبب أولويات أخرى في العام 2004. وخلص التقرير بحسب ونتور، إلى ان الاتحاد الأوروبي في المقابل يبقى في حال تركيز على هذه العملية غير انه يملك تأثيراً محدوداً في هذا المجال
العدد 696 - الأحد 01 أغسطس 2004م الموافق 14 جمادى الآخرة 1425هـ