إن الحديث عن «ان دي آي» وتبعيته للخارجية الأميركية، ليس اكتشافاً جديداً، فمدير المعهد الاميركي فوزي جوليد، وعلى هامش ورشة عمل للبلديين عقدها المعهد قبل قرابة العامين، وفي لقاء ضمني وإياه، تحدث حينها عن أهداف المعهد وتطلعاته، والأهم من ذلك، ومحور حديث الزملاء الآن، هو مالية المعهد وكيفية تمويله، وهل يتأثر أو ينصاع وينفذ القرارات الصادرة من الإدارة الأميركية؟ أم هو خارج «السيستام» من حيث اتخاذ قراراته الإدارية؟ وهل نحن نسير كما القطعان، أم «الفئران إلى المصائد» على حد وصف إحدى الكاتبات، وبالتالي نتخلى عن عروبتنا وإسلامنا؟ هل سيقدم إلينا المعهد عروبة وهوية جديدة، وإسلاماً جديداً نتعامل على أساسه ونتقبله؟ هذه أسئلة ينبغي علينا الإجابة عليها حتى نحدد موقفنا من المعهد وما يقدمه من خدمات استفادت منها مؤسسات المجتمع المدني بمختلف تلاوينها وأطيافها في البلاد (جمعيات سياسية وكتل برلمانية، إسلامية وليبرالية، ومؤسسات صحافية) إبان الانتخابات البلدية والنيابية، وبرامج استفاد منها أعضاء المجالس البلدية والنيابية أنفسهم، وهل هؤلاء لا يفقهون العروبة أو تخلوا عن إسلامهم حينما قبلوا المشاركة في برامج المعهد المختلفة من ندوات وورش عمل...إلخ.
إن أميركا بإداراتها المتعاقبة، ولوبيات الضغط المتحكمة في مصير الدولة الرأسمالية الأولى في العالم، لا يمكن أن تعتمد على معهد لتغيير أفكار وقيم الشعوب، وإن كانت تعتبر بعض أعماله مساعدة ثانوية لنشر قيم ومفاهيم القوي المسيطر على العالم، ولكن طبعاً هي تعتمد، هنا في الدول العربية، على ما هو أقوى من المعهد الأميركي، وأكثر سيطرة وإحكاماً على ثروات المنطقة ومواردها التي يريدها أرباب الحكم والسلطة من الشركات العابرة للقارات في أميركا، فلماذا لا يلتفت إليها بمثل ما التفت للمعهد، ولماذا لا يتم حشد هذا الجمع وتوجيهه إلى خدمة وتوعية الشعب بأسس الديمقراطية والتي من أساسياتها حرية التعبير وتداول السلطة، وضمان المحاسبة والمراقبة على مختلف أجهزة الدولة، وتعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار من خلال المطالبة بصلاحيات «أوسع» للمجالس البلدية المنتخبة شعبياً، وللمجلس النيابي أيضاً؟
لماذا لا يتم توجيه الجهود من أجل «دمقرطة» المجتمع وإنهاء السلطة الأبوية الدكتاتورية، والتخلص من البحيرات الآسنات ذات الطفيليات الضارة بقيم المجتمع وروحه التسامحية! لماذا لا يتم التركيز على توعية الشعب بحقوقه الدستورية والقانونية، وفي حقه في العيش الكريم، بحكم الدستور والقانون، والأعراف الدولية؟
المعهد الديمقراطي الأميركي لا ينكر المساعدات التي يحصل عليها من بنود موازنة الحكومة (الخارجية) الأميركية، أو من مساعدات «مؤسسات الوقف الديمقراطي» في أميركا أو من كندا أو فرنسا، وإن كان الغالب يأتي من الخارجية الأميركية، فهؤلاء يعملون وفق «سيستام» محدد، تتلقى المعاهد المساعدات أو موازنتها بحسب معايير عدة من بينها ما تقدمه إلى الدول التي تعمل فيها.
ليست المشكلة في أن يكون المعهد يمول من أميركا، إذ ان معظم الدول العربية تأخذ مساعدات من أميركا، وهي دول ذات سيادة واستقلالية، كما تعبر عن ذلك صحفها الناطقة باسمها، وإذا كان المعهد يقدم برامج مفيدة فما هو المانع من أن نستفيد ممّا يقدمه إلينينا، في صالح التجربة الإصلاحية الراهنة، أما أميركا وسياستها في دعم الدولة الإرهابية الأولى فلا يجهلها أحد، ولكن هل كل ما يأتي من أميركا نرفضه برمته... أم نفكر ونمحص ونتدبر أمرنا..
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 696 - الأحد 01 أغسطس 2004م الموافق 14 جمادى الآخرة 1425هـ