في مثل هذا اليوم (2 أغسطس/ آب) قبل 14 عاماً، دخل جيش صدام حسين أرض الكويت. وفي مثل هذا اليوم توجه رئيس الحكومة العراقي المعين اياد علاوي إلى الكويت للبحث في إمكانات تجاوز عقدة الماضي وإعادة العلاقات إلى مجراها.
14 عاماً تفصل بين الدخول القسري والزيارة العادية، وبينهما جرت حوادث كثيرة قلبت الموازين وغيرت المعادلات ووضعت المنطقة كلها أمام تحديات كبرى.
سؤال «ما الذي دفع صدام إلى ارتكاب هذه الحماقة؟» لم يجد الجواب المقنع على رغم أنه أصبح في السجن ويتعرض لتحقيقات منذ قرابة تسعة شهور. فالكويت كانت من أكثر الدول العربية دعماً لصدام، وربما تكون الأكثر حماسة حكومة وشعباً في التهليل لحربه الخاصة ضد إيران. ومن يراجع ارشيف الصحف الكويتية طوال تلك الحرب يجد مئات المقالات التي تمتدح بطولاته وعشرات القصائد التي تتغزل بعضلات حارس «البوابة الشرقية» و«بطل القادسية». فالكويت كانت إلى حد كبير مع «الشاب الأسمر». فهي غردت له وصفقت وغنت ورقصت لأعماله البطولية وتغزلت بعيونه وجفونه وقدمت إليه المال والمساعدات ولم تتردد في تغطية الكثير من حاجاته لتغذية آلة الحرب وتسليح قواته بأحدث وسائل الفتك والدمار.
ما الذي إذاً جعل صدام ينقلب على حليفه الأول بعد وقف حربه الأولى على إيران؟ وكيف يمكن تصور أو قراءة تلك الحساسيات التي تراكمت في أقل من سنتين ودفعت بحارس «البوابة الشرقية» إلى اقتحام الدار والفتك بأهلها وتحويل الجار القريب إلى خصم عنيد يتمنى زوال بلاد الرافدين عن خريطة الجغرافيا السياسية؟
هناك الكثير من الإجابات غير المقنعة، من بينها تلك التي تفوه بها صدام حين سئل عن الكويت خلال استجوابه أمام القاضي العراقي تمهيداً لمحاكمته في المستقبل. إجابات صدام كانت منفعلة حين وصل القاضي العراقي في استجوابه إلى مسألة الكويت. فصدام كان طوال التحقيق يحاول السيطرة على أعصابه والظهور أمام شاشات التلفزة كما يجب أن يظهر «الرئيس» المحترم والمتماسك والواثق من نفسه... إلى أن ورد اسم الكويت فاضطرب وخرج على طوره وكال السباب والشتائم.
فعلاً ما سر هذا الحقد الفظيع لأسير حرب أو مجرم حرب ضد دولة قدمت إليه كل الدعم من مال وغذاء وكساء إضافة إلى مساعدات بلغت المليارات من الدولارات وتغطية إعلامية رفعت من شأنه وجعلت منه بطل «القومية العربية».
لماذا فعل صدام هذه الفعلة؟ الجواب عن السؤال يسهم إلى حد كبير في كشف الكثير من «الأسرار» ويفضح «المؤامرة» على المنطقة، ويرفع الغطاء عن تلك الأدوات التي سهلت للجيوش الأجنبية دخول البلاد العربية وشرّعت لاحقاً اجتياحها بذريعة اجتثاث «نظام صدام».
حتى الآن لم تذكر الحقيقة كاملة، وكل ما قيل ونقل عن صدام لا يكفي لتبرير هذه الفعلة التي قد تؤدي لاحقاً إلى الإطاحة بالنظام الإقليمي برمته وإدخال الدول المجاورة للعراق في سلسلة توترات وخلافات تكرر «المشاهد الصدامية» السابقة بوجوه وقفازات وأحذية أميركية الصنع. فما حصل في العراق ليس تغييراً جذرياً في العقلية والسياسة، وإنما هو أشبه بانقلاب عسكري نفذته قوات استقدمت من الخارج.
«المشاهد الصدامية» في العراق لاتزال تتكرر بأسماء أخرى معلومة ومجهولة. والسياسة الصدامية داخلياً وخارجياً لم تتعدل كثيراً. ومفهوم الجيرة والجيران لم تطرأ عليه تغييرات جوهرية سوى بعض الكلام المعسول والغامض في تعبيراته ودلالاته. فحتى الآن لم تبذل الحكومة البديلة (المعينة) الجهد الكافي والمطلوب لتحسين السمعة وتطوير العلاقات مع دول الجوار. مفهوم «حسن الجوار» يبدو أنه من الأمور غير المرغوب فيها في بغداد هذه الأيام. فهناك إضافة إلى الفوضى الأمنية فوضى سياسية يعبر عنها في تصريحات متناقضة ومواقف متعارضة بين وزراء الحكومة نفسها. فالسياسة العراقية مترددة وهي حذرة في خطواتها وتتحرك بأساليب ملتوية ليست بعيدة عن تكرار «المشاهد الصدامية».
صورة «العراق الجديد» لاتزال مشوشة ويسيطر عليها حتى الآن المشهد الصدامي حتى بعد جولة علاوي إلى بعض دول الجوار. فهذه الجولة أبقت الغموض ولم تظهر حسن النية ميدانياً، على رغم الكلام المكرر عن التغيير وتجاوز عقد الماضي. فبغداد لاتزال، كما كان أمر صدام، تتهم جيرانها بالمسئولية عن اضطراب أمنها الداخلي، محاولة طرد مشكلات الداخل إلى الخارج وتحميل الجيران تداعيات الحرب.
هذا النوع من التصريحات يثير القلق فعلاً ويطرح أسئلة قديمة من نوع «ماذا فعلت إيران لصدام حتى يعلن الحرب عليها؟». وماذا فعلت الكويت لحارس «البوابة الشرقية» ليفعل ما فعله؟
هذه الأسئلة في حال الإجابة عنها يمكن أن نفهم «سر» تلك السياسة المضطربة والمتشنجة من بعض وزراء حكومة علاوي ضد الجيران ودول الجوار، وربما تساعد على الرد على سؤال :لماذا افتعل صدام كل تلك الحروب
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 696 - الأحد 01 أغسطس 2004م الموافق 14 جمادى الآخرة 1425هـ