المقابلة التي أجرتها قناة «العربية» قبل أيام مع احدى مندوبات الحزب الديمقراطي الاميركي «فريال المصري» لها أكثر من مدلول. فهذه «المندوبة الحزبية» سعودية الأصل (ولدت وعاشت في مكة المكرمة حتى سن العاشرة، ولقب المصري تابع لاسم زوجها وليد المصري) وفريال دخلت الآن المعركة الانتخابية للفوز بمقعد في برلمان ولاية كاليفورنيا الأميركية مدعومة من حزبها (الحزب الديمقراطي الأميركي).
ترى ماذا لو أن فريال لم تبقَ في أميركا وتتجنس ومن ثم تنخرط في العمل السياسي لتصل الى تمثيل حزبها في مؤتمر الاستعداد للانتخابات الأميركية في نهاية هذا العام؟ حالها لن يكون مختلفاً عن حال غيرها من اللاتي مازلن يطالبن بحقوقهن - في كل أرجاء العالم العربي - ومازلن يصرخن من دون استجابة تتناسب وعصرنا الذي نعيش فيه.
«فريال» ليست الوحيدة، فهناك النساء العربيات والمسلمات الأخريات في أوروبا وأميركا اللاتي استطعن ان يصلن الى مستويات عُليا لا يمكن الوصول اليه في بلداننا. وفي آخر مرة زرت بريطانيا كانت موظفة المطار التي تختم على الجواز امرأة مسلمة محجبة، وهو أمر لن تجده في بعض البلدان العربية والاسلامية التي تعاقب النساء اللاتي يرتدين الحجاب الاسلامي وتحرمهن من العمل في الدوائر الرسمية أو حتى دخول الجامعة.
ليس مستبعداً أننا سنجد قريباً ان المسلمين في أوروبا وأميركا لديهم من الحقوق السياسية والمدنية ما لا يمكن ان يحلم به المسلمون في بلدانهم. والاسوأ حظا في بلداننا الاسلامية - بلا شك - هي المرأة التي مازالت تعامل وكأنها قاصرة في انسانيتها وتنتظر رحمة الرجل وقراراته.
إن التاريخ الاسلامي ليس مجحفا بحق المرأة في العمل العام، ويذكر الشيخ محمد مهدي شمس الدين في كتابه «في الاجتماع السياسي الاسلامي» اسم امرأة (سمراء بنت نهيك الأسدية) انها ادركت رسول الله (ص) وعمرت وكانت تمر بالأسواق (ضمن مهنة تفتيش وضبط السوق) وتمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ويشير شمس الدين إلى ان الاساس في التعامل مع المرأة هو المساواة (على رغم الاختلافات الفقهية)، ويذكر في هذا المجال قوله تعالى «من عمل صالحا من ذكر او انثى ...» (النحل / 97)، «فاستجاب لهم ربهم اني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى، بعضكم من بعض» (آل عمران: 195). الأكثر من ذلك ان شمس الدين يشرح الآية: «المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ...» (التوبة / 71) ويقول «مفاد الآية إنشاء حكم وضعي سياسي تنظيمي يجعل للنساء - كما للرجال - الولاية العامة في نطاق ولاية الأمة على نفسها. وهذا يجعل النساء مساويات للرجال في الوضع السياسي - الحقوقي في الحياة العامة...».
الفرق بين ما نقرأه في الكتب وبين ما نراه على الأرض كبير جدا، والحال الاسلامية ستبقى تعاني من واقعنا المؤلم، وسنرى بعد سنوات أن العرب والمسلمين في أميركا وأوروبا ينطلقون إلى الحياة - ويعودون الى دينهم - وثم يبدأون في توضيح الطريق الينا بعد ان أصرينا على الاستمرار في طرق مسدودة من كل جانب
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 696 - الأحد 01 أغسطس 2004م الموافق 14 جمادى الآخرة 1425هـ