العدد 695 - السبت 31 يوليو 2004م الموافق 13 جمادى الآخرة 1425هـ

معاناة المواطنين... هل لها من حل؟

سيد جعفر العلوي comments [at] alwasatnews.com

حين كان الإمام علي - عليه السلام - يعظ أحد المؤمنين بضرورة الانخراط في تحصيل سبل المعيشة والابتعاد عن الزهد غير المبرر، احتج عليه ذلك المؤمن قائلاً: يا أمير المؤمنين، هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك! فرد عليه الإمام: ويحك إني لست كأنت، إن الله فرض على أئمة العدل، أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس، كيلا يتبيغ بالفقير فقره! (نهج البلاغة خ209). فالإمام يساوي نفسه بأقل الناس مستوى في الوضع المعيشي حتى يتحمل الفقير وضعه، ويشعر بمواساة الحاكم له، وحرصه على تطوير وضعه. هذه صورة جدُ مثالية قياساً بواقعنا المعاش، ولكنها همة المؤمنين العظماء.

أما واقعنا فحدث ولا حرج، فمعظم المسئولين في واد وغالبية المواطنين في واد آخر، فكيف نريدهم أن يشعروا بما يشعره أولئك «الغلبانين» بحسب تعبير إخواننا أهل مصر. فالطوابير على الخدمات الحكومية كانت طويلة قبل برنامج التجنيس، وازداد الوقوف والتأخر والتأزم حين تم تجنيس ما يقارب المئة ألف! طبعاً لن يشعر أيٌ من المسئولين كباراً وصغاراً شعور معايشة بضغط الأزمات المترتبة على هذا العدد، فلا أحد منهم وقف أو سيقف في طابور العيادات والمستشفيات العامة، ولا أحد منه يعاني ما يعانيه الناس في طابور البطاقة السكانية الذي يستحق أن يكون أطول طابور يتمرر فيه المواطن، ولا أحد منهم سيشعر بمدى آثار هكذا قرار على الوضع العام. لقد كان الوضع مزرياً في الخدمات العامة قبل التجنيس، فكيف الحال معه.

لا شك في أن بعض المسئولين مستثنون من كلامي هذا، ولكنهم قلة قليلة ممن يعايش هموم الناس ومعاناتهم، ويستمع لهم، بل قد يتعمد أن يذوق بنفسه بعض هموم الناس ليعلم أوضاعهم عن قرب ومعايشة.

في التاريخ - والحاضر أيضا - يتقمص بعض الحكام الحكماء شخصية المواطن العادي وينزلون في الشوارع مع الناس، طبعا متنكرين حتى يعلموا حقيقة ما يحدث وما يعانيه الناس. سمعت من أحد المصادر الموثوقة أن أحد الحكام العرب الحاليين، ذهب الى بعض الدوائر الحكومية وأخذ يتصيد المتأخرين من كبار الموظفين، فشاهد الكثير منهم تأخر عن الدوام ساعتين وأكثر.

يروى في تراثنا أن معلماً لأحد أبناء الخلفاء العباسيين قسى على ذلك المتعلم الذي يتأهل لكي يكون حاكماً في المستقبل، فشكى الى أبيه أن معلّمه أخّره أربع ساعات عن وجبة الغذاء ثم أمر بضربه، فاستدعى الخليفة ذلك المعلّم، واستفسره عن شكوى ابنه، فقال له المعلم: إن ابنك هذا سيتولى الأمر من بعدك وأردت أن يعلم معنى الجوع فيهتم بجوعى رعيته، وجعلته ينتظر طويلاً حتى لا يحجب الناس حين يحتاجون إليه في قضاء حوائجهم، وضربته حتى يعلم مرارة الضرب فلا يلجأ الى ضرب أحد. فقال له الخليفة: نعم، مثلك يعلم أبناء الخلفاء.

إن أكثر الخدمات الحكومية - التي تخدم غالبية الشعب، والحكومات في حقيقتها خادمة للشعوب، فسيد القوم خادمهم كما يقال - لا يلجأ إليها معظم المسئولين، لاستغنائهم عنها بالطب الخاص والتعليم الخاص، أو تنفيذها وهو جالس على مكتبه من خلال الهاتف.

إن ما ينبغي التنبه له والالتفات إليه بكل اهتمام وفي أسرع وقت، أن معاناة أكثرية المواطنين في بلدنا تتعاظم، لأسباب عدة، بعضها بسبب الوضع الاقتصادي غير العادل، وبعضها بسبب التمييز، وبعضها بسبب ضعف الخدمات، والفساد الإداري المستشري في الكثير من الدوائر.

هناك قطاعات واسعة من الشعب تحت خط الفقر لضعف مواردها المالية، فالسكن ضيق ولا يكاد يتحمل أفراده، والأبناء يشعرون بمرارة الفقر وهم يرون بأم أعينهم مقدار السرف والتبذير لدى عوائل الأغنياء، وحين يكبرون يلجأون مباشرة الى العمل لتحسين ظروفهم المعيشية الضاغطة، ولكن لا توجد أمامهم وظائف، بل أبواب مغلقة بأقفال التمييز والاستضعاف و اللاتخطيط لمعالجة هكذا أزمات. إن قضية الحرمان والفقر أمرٌ جدُ خطير، وإن لم يتم تداركها بسرعة فقد تتحول الى صاعق يضر البلد ويحيل خيرها يباباً، وحينئذ لا ينفع ندمنا، ولا تحليلاتنا في سر ما حدث. إن على الدولة والأغنياء والعلماء والقطاع الخاص أن يتداركوا وضع المحرومين ويتحملوا مسئولياتهم كاملة تجاه هذا الأمر، ومن يتجاهله وينفيه لن يكون إلا كمن ينفي وجود الشمس لجلوسه في بيت مغلق لم ير فيه نورها، ولكن مع أول إطلالة له خارج بيته سيعشي نورها بصره، ويصطدم بحقيقتها التي حاول نفيها طويلاً

العدد 695 - السبت 31 يوليو 2004م الموافق 13 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً