العدد 695 - السبت 31 يوليو 2004م الموافق 13 جمادى الآخرة 1425هـ

«فوج جديد»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في خبر نشرته صحيفة «صنداي تلغراف» البريطانية الأسبوع الماضي ذكرت نقلاً عن مسئول أمني أن الحكومة تعتزم تشكيل قوة خاصة تسمى «الاستطلاع والمراقبة» بهدف اختراق صفوف المنظمات الإسلامية ومن بينها «القاعدة».

وسيتعاون الفوج الجديد مع وحدتي «القوة الجوية الخاصة» و«قوة الزوارق الخاصة». وستكون مهمة «الفوج الجديد» اختراق صفوف المنظمات مباشرة (زرع جواسيس) أو إغراء أعضاء فيها عن طريق «تحويل الأعضاء إلى عملاء مزدوجين». وسيعطى «الفوج الجديد» صلاحيات للعمل في كل أنحاء العالم وبالتنسيق مع أجهزة المخابرات الأخرى.

هذا الخبر الذي نشرته صحيفة يمينية محافظة مشهورة بحملاتها الدائمة ضد قضايا المسلمين والعرب ليس بريئاً. فهو من الأخبار الخبيثة في مدلولاتها. فالصحيفة تتظاهر بأن أجهزة المخابرات لم تفكر في هذا الأمر سابقاً. وان المخابرات البريطانية اكتشفت الحاجة إلى هذا النوع من «الزرع» أو «الإغراء» منذ أسبوع فقط، وتحديداً بعد صدور تقرير «لجنة 11 سبتمبر» الذي أوصى بتعيين مدير للمخابرات الأميركية بدرجة «وزير» وإنشاء مركز قومي لمكافحة «الإرهاب». فهل فعلاً ان أجهزة المخابرات الكبرى (الأميركية، والبريطانية، والفرنسية، والألمانية، والإسرائيلية) لم تخطر على بالها هذه الفكرة الجهنمية إلا قبل أسبوع فقط؟. وهل فعلاً لم تخترق تلك الأجهزة صفوف الكثير من المنظمات والهيئات المسلمة وغير المسلمة قبل سنوات وسنوات؟ وهل فعلاً أن المنظمات التي تقول لندن انها تريد مكافحتها الآن لم تعبث بها من داخلها منذ فترة طويلة وتجرها إلى أفعال شنيعة تشوه صورة المسلمين في العالم، أو تورط المسلمين في مواجهات أكبر بكثير من قدرات العالم الإسلامي تمهيداً لتمرير مشروعات كبرى أو تغطية لأهداف محددة؟.

الهدف من هذه الأسئلة ليس رفع المسئولية عن منظمات وهيئات تورطت في أفعال مشبوهة أو عندها الاستعداد أو القابلية للتورط في أعمال مسيئة للمسلمين وإنما أيضاً تهدف إلى كشف ذاك «الخيط الرفيع» الذي يحاول أن يربط بين أفعال ارتكبت باسم الإسلام والمسلمين والجهاد والمجاهدين وهي فعلاً أضرت بالإسلام والجهاد وأعطت الذريعة لإعلان الحرب على المسلمين وتبرير كل وسائل العنف والإفراط في استخدام القوة ضد المدنيين من أفغانستان إلى العراق وفلسطين.

هل «الفوج» جديد أم هناك دفعة جديدة من الأفواج بعد احتراق الكثير من الأسماء؟ والسؤال: لماذا سربت الأجهزة الأمنية مثل هذا الخبر المعروف والمتداول في صفوف الجاليات المسلمة في أوروبا؟ فالحديث عن «طابور خامس» و«طرف ثالث» و«عملاء مزدوجين» قيل مراراً وتكراراً وكان مصدر شكوى من كثير من الفعاليات والهيئات المسلمة في بريطانيا وغيرها. وهناك الكثير من الاعتراضات الصادرة عن جهات مسلمة على الأسلوب الإعلامي الدعاوي ضد الإسلام الذي اعتمدته الوسائل البصرية والسمعية والمكتوبة في نشر صورة مفزعة عن المسلمين. وفي الوقت الذي كانت تصر وسائل الإعلام الغربية (الأميركية - الأوروبية) على عقد لقاءات مع ما أسمتهم «رموز» المسلمين وإهمال أو تجاهل الرموز الحقيقية كانت الجاليات المسلمة تخاف وتتخوف من الأهداف المرجوة من وراء الإصرار على إظهار هذا النوع من «الرموز» والتعتيم على الوجوه المسلمة الخيرة والقادرة على إظهار الوجه السمح والحسن للإسلام.

منذ ثمانينات القرن الماضي اشتكت الجاليات المسلمة في أوروبا من الأساليب الملتوية التي كان يلجأ إليها الإعلام الغربي وتحديداً إصراره السيئ على إظهار وجوه نافرة ومقرفة في الصحف والمجلات ومحطات التلفزة وترك هذه «الرموز» تتفوه بأشياء مقززة للنفس باسم الإسلام والمسلمين. ثم تعود تلك الوسائل وتستخدم تلك التصريحات والمقابلات مادة إعلامية للتشهير بالمسلمين والتحذير من الإسلام والتخويف من الجاليات المسلمة.

منذ ثمانينات القرن الماضي تسربت الكثير من المعلومات عن وجود عناصر مندسة في الجاليات تمارس أساليب تثير الاشمئزاز وتؤلب الرأي العام ضد المسلمين. وبعض تلك العناصر تم تدريبه وتنظيمه وإرساله إلى أفغانستان واليمن والجزائر وغيرها للقيام بأفعال معينة أو التحريض على القيام بها أو تشريع (تسويغ) بعض الحماقات وتغطيتها بالدين والعقيدة.

الكلام الذي نقلته «صنداي تلغراف» ليس جديداً على المسلمين. فالجاليات في أوروبا تعرف منذ زمن طويل وجود مثل هذا «الفوج» الذي أعلن تأسيسه الأسبوع الماضي. هذا الفوج موجود منذ فترة وقام فعلاً منذ أكثر من ثلاثة عقود «بالاستطلاع والمراقبة» و«اخترق صفوف الجماعات» أو تعاون مع البعض وقام بتحويله إلى «عميل مزدوج» وأسهم مساهمة كبيرة في التحريض على أعمال مشينة في أوروبا وأفغانستان وحالياً في العراق.

إعلان تشكيل هذا «الفوج» اضطرت إليه الأجهزة الأمنية كما يبدو بعد أن انفضحت الكثير من الشبكات المخترقة والمزدوجة الولاء... فأعلنته الآن لتقول إنها بريئة من أفعال ارتكبت في الماضي باسم الإسلام والمسلمين.

خبر الإعلان خبيث فهو يريد التغطية على فترة ماضية بإظهار الغباء من جهة والبراءة من أعمال لا يقوم بها الأذكياء عادة من جهة أخرى

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 695 - السبت 31 يوليو 2004م الموافق 13 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً