هاتفني الصديق منصور الجمري أمس وتحدث بصوت متهدج حزين، لقد رحل «فرد هاليداي»، صديق العمر، وتداعى في خاطري شريط من الذكريات وحياة حافلة شهدت بعض فصولها.
«فرد هاليداي» مناضل وطني، من أجل قضية شعبه الايرلندي وهو في الوقت ذاته مناضل أممي انطلاقاً من صفوف اليسار الثوري. «فرد هاليداي» ارتبط بعلاقات خاصة مع العرب وخصوصاً عرب الجزيرة العربية وقضاياهم.
في الوقت ذاته فقد كان فرد هاليداي أكاديمياً لامعاً ومثقفاً موسوعيا ومنظراً مبدعا وصحافياً بارزاً. وقد جمع ما بين العلم والعمل في حياة حافلة أخذته إلى ساحات نضال كثيرة وإلى آفاق معرفة مجيدة في محاضرته السردية الرائعة في فندق الخليج في منتصف فبراير/ نيسان 2004 بدعوة من مركز البحرين للدراسات والبحوث، سرد فصولاً من زياراته ومعايشته للناس وقضاياهم في اليمن وعمان والبحرين وإيران وفلسطين.
ارتبط فرد هاليداي بشكل مبكر وهو في مرحلة الدراسة الجامعية بالحركة التحررية الايرلندية والنضال على الأرض البريطانية، وفي الوقت ذاته وإنطلاقاً من عقيدته اليسارية الأممية، فقد ارتبط بنضالات الشعوب وخصوصاً نضال الشعب الأسباني ضد دكتاتورية فرانكو وبالنضال التحرري العربي وخصوصاً فلسطين واليمن وعمان والخليج العربي، وكذلك إيران. وقد زارها فرد هاليداي تكراراً في مراحل مختلفة سواء في ظل الكفاح المسلح وفي ظل النضال السلمي ومن أجل نصرة نضالات هذه الشعوب، أسهم فرد هاليداي في تشكيل لجان المناصرة مع مناضلين آخرين حسب متطلبات المرحلة، فكانت هناك لجان لفلسطين واليمن الجنوبي وعمان والخليج وإيران، وقد أسهمت هذه اللجان في تعريف الشعب البريطاني بقضايا هذه الشعوب وفضح الاستعمار البريطاني والدور البريطاني في قمع هذه الشعوب وتطوع أعضاء هذه اللجان للتدريس والتطبيب وجمع التبرعات وتقديم المساعدات.
تعتبر المقالات والكتب التي ألفها فرد هاليداي طليعية حينها ومراجع يعتد بها حتى اليوم ونذكر منها كتاب « الصراع السياسي في شبه الجزيرة العربية»، «تداعي الامبراطورية الشاهنشاهية»، ومثلث الأزمات.
عايش فرد هاليداي ثورات المنطقة وتحولاتها، لكنه ظل على ارتباط مع نخبها وشعوبها.
لقد أسهم من موقعه الأكاديمي كأستاذ للعلوم السياسية والعلاقات الدولية في عدد من الجامعات البريطانية وآخرها مدرسة لندن للاقتصاد (LSE) الشهيرة في الإبحار الأكاديمي والمعرفي في قضايا المنطقة والقضايا الدولية.
لقد تخرج على يديه نخبة من الأكاديميين ومنهم الأكاديميون العرب والخليجيون بالطبع. وقد أسهم فرد هاليداي من هذا الموقع في تأسيس علاقات تعاون أكاديمية بين مدرسة لندن للاقتصاد وبعض الجامعات والمعاهد العليا ومراكز الدراسات الخليجية وقام شخصياً بإلقاء المحاضرات في مختلف العواصم الخليجية، ومنها محاضرته المشهورة في فندق الخليج في منتصف فبراير 2004 بدعوة من مركز البحرين للدراسات والبحوث.
لم يتنكر فرد هاليداي لرفاقه من الثوار السابقين، لكنه في مرحلة النضال السلمي والديمقراطي وسع من دائرة علاقاته وصداقاته وشملت الحكام وكبار المسئولين كما المناضلين والمثقفين والأكاديميين.
لقد وظف فرد هاليداي هذه الصداقات لحث جميع الأطراف الحكام والمعارضة، المسئولين والنخب على التعاون معا للسير على طريق الإصلاح والتحول الديمقراطي والتحديث والتنوير.
لا ننسى دوره الإيجابي مع كبار المسئولين البحرينيين أثناء تواجدهم في لندن، خلال مرحلة التسعينيات لفتح الحوار مع المعارضة وتطبيع الأوضاع، انطلاقاً من كونه مستشاراً لوزير الخارجية روبين كوك وللجنة العلاقات الخارجية لحزب العمال.
لقد زارنا في البحرين ولمس ثمرة جهوده البناءة وكانت محاضرته البارعة عرضاً شيقاً لهذه المسيرة.
في السنوات الأخيرة انتقل إلى برشلونة عاصمة كاتلونيا الأسبانية، حيث كان أستاذاً في العلوم السياسية في معهد للدراسات العليا، وظل يشرف على اطروحات الدكتوراه في مدرسة لندن للاقتصاد.
فرد هاليداي عبقري في اللغات، إذ كان يتحدث بـ 12 لغة، فهو عندما يدرس بلداً ما يتعلم لغتها أولاً، فقد أتقن الروسية ليدرس الاتحاد السوفياتي، وأتقن العربية في مسار دراسته للقضايا العربية، وأتقن الفارسية من أجل دراسة القضية الإيرانية، وأتقن الإسبانية ليقوم بالتدريس بالإسبانية في المعهد الأوروبي في برشلونة المدينة التي أحبها وارتاحت روحه الهائمة فيها، حيث قضى نحبه بعد صراع مع المرض.
«فرد هاليداي» نسيج لوحده، أبحر في مختلف مجالات المعرفة، وجال في بلدان كثيرة، ونسج علاقات صداقة لا تحصى، وأسهم بنصيب وافر في نضالات الشعوب ومنها شعبنا البحريني. لن أستطيع أبداً أن أوفيه حقه ببضع كلمات ولي معه وقفات أخرى.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 2790 - الإثنين 26 أبريل 2010م الموافق 11 جمادى الأولى 1431هـ
تظيم سلام للاحبة الكرام
السؤال هل هو مسيحي ام شيوعي ام مستقل ؟!!
Sleep in peace Fred Halliday
نم بسلام فرد هاليداي... رحمك الله ...
شكرا للمخلصين
شكرا لكل مخلص في هذا العالم الظالم .... و
هناك الكثير من الرجال المخلصين الذين وقفوا مع ألام الناس وهمومهم .. فنسأل الله لهم الأجر