نجحت الولايات المتحدة في حدود نسبية وبعد مرور ثلاث سنوات لهجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 في تدويل حملتها الأميركية على ما تسميه الشبكات «الارهابية». نجاح واشنطن في كسب ولاء روسيا والاتحاد الأوروبي وربما الصين في التضامن لخوض حملة مشتركة لم يكن كله بسبب ذكاء البيت الأبيض ومناوراته، بل احياناً بسبب غباء (حماقات) المجموعات السرية التي لا يعرف من يمولها ويشجعها. فتلك المجموعات اسهمت في تشويه سمعة المقاومة العراقية الشرعية والمشروعة ضد الاحتلال الأميركي، واعطت الذريعة لكل «دول الضد» لإعادة النظر في مواقفها والاقرار ضمناً بصحة رأي «كتلة الشر» التي تدير اللعبة من مبنى «البنتاغون».
الرئيس الأميركي جورج بوش بات في وضع أفضل من السابق وتحديداً في فترة تحضيره للحرب على العراق. آنذاك اندلعت التظاهرات المليونية في مختلف مدن وعواصم العالم من سيدني في استراليا الى أوروبا وصولاً إلى نيويورك وسان فرانسيسكو. فالعالم أجمع الى حد كبير على رفض الحرب، كذلك وقفت معظم دول مجلس الأمن ضد المشروع الأميركي المدعوم بريطانياً ورفضت اصدار قرار دولي يشرّع الحرب على العراق.
كان هناك ما يشبه الاجماع الدولي على رفض فكرة الحرب ومع ذلك اتخذت واشنطن قرارها وشنت عدوانها على العراق واحتلته وقوضت دولته وسط استنكار عالمي وشجب معظم الدول في العالم.
بعد الحرب والاحتلال دخلت أميركا في عزلة دولية، وبدأت المقاومة المشروعة والشريفة تلاحق قوات الغزو. وبسبب العزلة الدولية وصعود المقاومة وصمودها في وجه العدوان بعد رحيل النظام المستبد بدأت واشنطن تعيد النظر في حساباتها في وقت أطلت الانتخابات الرئاسية برأسها. وبناء على تلك الحسابات قررت إدارة البيت الأبيض تنظيم فشلها، وطرحت مشروع خطة تبدأ بإعادة انتشار قواتها تمهيداً لانسحابها وتسليم مقاليد السلطة لحكومة عراقية وذلك على فترتين الأولى تبدأ قبل الانتخابات الرئاسية، والثانية تنتهي نظرياً مع مطلع العام المقبل.
هذا التراجع المنظم أعطى فرصة للمناورة السياسية وظهرت واشنطن في موقع الحريص على ضمان استقلال العراق وسيادته. وبناء على الخطوتين إلى الوراء استعد البيت الأبيض لتسجيل خطوة إلى الامام فنجح في استصدار قرار دولي يشرّع إلى حد معين الاحتلال، ويعطي لقوات الغزو صفة جديدة وهي «المتعددة الجنسية»، وهي صفة اعطت واشنطن حق الادعاء بأنها تأتمر بتوجيهات حكومة العراق. وهذا كذب فالعكس هو الصحيح.
وتحت ستار من الاكاذيب السياسية والمناورات الدبلوماسية اخذت واشنطن تكسب النقاط لمصلحة المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، وتسحب الغطاء عن مقاومة الشعب العراقي. فبعد تلك الخطوات المنظمة إلى الوراء استعادت واشنطن زمام المبادرة دولياً من خلال تحسين علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية، مستفيدة من تلك الاعمال المشبوهة التي ارتكبتها مجموعات حمقاء.
أسهمت هذه التطورات السلبية في سحب الغطاء الدولي - الاقليمي عن المقاومة العراقية الشريفة (الشرعية والمشروعة) نظرا للتشوهات التي تعرضت لها بسبب اعمال اجرامية ارتكبتها مجموعات تدعي انتسابها للاسلام. فتلك المشاهد المقرفة والمثيرة للاشمئزاز التي نشرتها تلك المجموعات المشبوهة على «الانترنت» متباهية بقطع الرؤوس أو خطف ابرياء من جنسيات مختلفة لم تفرق بين من هو مع الحرب ومن هو ضدها.
كل هذه المشاهد كشفت عن تصرفات القصد منها الاساءة للاسلام والمسلمين والعراق والعراقيين فأضرّت في النهاية المقاومة الشريفة والمشروعة والشرعية، وأعطت ذريعة لقوات الاحتلال بارتكاب مجازر ضد المدنيين والأبرياء واتباع سياسة العقاب الجماعي، كما حصل حديثاً في النجف والفلوجة ومدينة الصدر وغيرها من مناطق في الموصل وبعقوبة ومحافظة الأنبار وبعض الوسط والجنوب.
الآن تبدو الأمور تسير لمصلحة الاحتلال الأميركي أو على الأقل أخذ العالم يتبدل ويميل نحو السكوت عن جرائم واشنطن وتفهم سياستها. وهذا كله صب في طاحونة الحزب الجمهوري فارتفعت اسهم مرشحه للرئاسة بعد ان هبطت سابقاً إلى درجات متدنية.
التجديد للرئيس الأميركي ولاية ثانية مسألة سيئة للعرب والمسلمين، وهذا يعني جر المزيد من الويلات والمصائب على العراقيين والدول المجاورة للعراق. هذا جانب من السلبيات. أما الجانب الآخر فهو ان عودة بوش إلى البيت الأبيض لمدة أربع سنوات اضافية تعني كارثة ايضا للشعب الأميركي الذي شهد اسوأ فترة في حياته على المستويين الأمني والاقتصادي. ومع ذلك يميل الناخب إلى اختيار المرشح الأسوأ بسبب مخاوفه من مجموعات لا يعرف اصلها من فصلها هددت مراراً بسياسة قطع الرؤوس على «الانترنت». إنه الغباء الذي يعطي ذريعة للقوي لقطع رأس الضعيف
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 738 - الأحد 12 سبتمبر 2004م الموافق 27 رجب 1425هـ