في حديث لمسئول صيني نشر في صحيفة «الشعب» الرسمية في 8 سبتمبر/ أيلول الجاري، قال إن على الحكومة أن تعمل على «تبريد» الاقتصاد لتقليل النمو المتسارع في عدد من القطاعات ما قد يؤدي إلى حدوث «هزة» لا يتحملها الاقتصاد الصيني، داعياً إلى تقييد سياسة منح القروض المالية والعقارية. وأشار إلى أن كثيراً من هذه التسهيلات توجه حالياً إلى الاستثمار بصورة «عمياء» في قطاعات تشبعت، مثل: صناعة الحديد، الاسمنت والألمنيوم.
وشهدت الصين نمواً اقتصادياً خلال الربع الثاني من العام 2004 مقداره 9,6 في المئة، وهو نمو عالٍ جداً وخصوصاً أن النمو في الربع الأول كان 9,8 في المئة. وحذر اقتصاديون المصارف الصينية من عدم ضبط منح القروض والتسهيلات مشيرين إلى أن السياسة الأفضل هي توفير «النقد» المتوافر حالياً للاستثمار لاحقاً عندما تنعكس الموجة الاقتصادية التي تتعرض بطبيعتها للصعود والهبوط. وأشاروا إلى أن «التمتع الحقيقي بالثروة يتم عبر إطالة فترة بقائها وليس التسريع في فترة الصعود ومن ثم فقدان الحماية المطلوبة أثناء الهبوط».
على أن تقارير «غير رسمية» أشارت إلى أن هناك «صراعاً خفياً» بين جناحين في النظام الصيني، جناح يقوده الرئيس وسكرتير الحزب الشيوعي «هو جينتاو»، وجناح آخر يقوده رئيس الهيئة العسكرية (قائد الجيش الأحمر) «جيانغ زيمين» البالغ من العمر 78 عاماً والذي كانت بيده السلطة كاملة قبل صعود نجم «جينتاو».
«جينتاو» يدعو إلى تخفيف سرعة النمو لكي لا تحدث مشكلة لا تستطيع الصين تجاوزها، كما حدث في اليابان في مطلع التسعينات من القرن الماضي عندما هبطت البورصة وسوق العقارات فجأة وأدى ذلك إلى دخول اليابان في كساد استمر قرابة ثلاثة عشر عاماً. كما يدعو «جينتاو» إلى تسليم السلطة إلى مزيد من القادة الشباب الذين يستطيعون مواكبة التغيير الجاري في الصين وهو تحويلها «فعلياً» إلى دولة «رأسمالية» والإبقاء على الشيوعية من الناحية النظرية فقط.
«جينتاو» يدعو أيضاً إلى محاربة الفساد الإداري وإصلاح الرعاية الصحية ومزيد من الشفافية ومعالجة الفرق في الدخل بين الذين استطاعوا تحصيل الثروات بسرعة وبين الأكثرية الذين مازالوا يحتاجون إلى الخبرة والوقت لكي يلتحقوا بالاقتصاد الرأسمالي (يسمونه في الصين «اقتصاد السوق القومي»). «جينتاو» أيضاً يؤمن بتقوية العلاقات مع أوروبا أكثر وأكثر ويود تقليل سلطة «الجيش الأحمر» على الشأن العام.
في المقابل يركز «زيمين» على أمور أخرى معاكسة، فهو يؤكد مزيداً من العلاقات مع أميركا ويود تسريع النمو الاقتصادي أكثر من دون تخفيف للسرعة، ويود إعطاء مزيد من الحرية للقطاع الخاص (هذا يصدر من قائد الجيش الأحمر) ويود تأسيس «مجلس للأمن القومي» كما هو الحال لدى أميركا، ويود طبعاً أن يتسلم منصب «مستشار الأمن القومي» في حال وافقت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي التي ستجتمع هذا الشهر للاستماع للزعيمين لتحديد الخيارات الاستراتيجية للصين خلال الفترة المقبلة.
الجناحان يحشدان أنصارهما قبل انعقاد اللجنة المركزية، والجناحان أصبحا كالحزبين اللذين يتنافسان على طرح آرائهما أمام النخب (وربما الجمهور لاحقاً) لكي يحصلا على الدعم والصلاحية لقيادة بلادهما في هذا الاتجاه أو ذاك.
وفي هذه الحال، فإنه لم يبق من «نظام الحزب الواحد» إلا الاسم، فعلى أرض الواقع هناك حزبان يتنافسان داخل نخبة تنتمي رسمياً إلى حزب اسمه مازال «الحزب الشيوعي الصيني»...
الصين يهمها أمر واحد حالياً، وهو الحفاظ على سيادتها من التفرق بين ستين «إثنية» مختلفة كما حدث بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، ولذلك فإن التغييرات تجرى على الأرض بينما تبقى المسميات القديمة على الظاهر فقط
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 738 - الأحد 12 سبتمبر 2004م الموافق 27 رجب 1425هـ