العدد 737 - السبت 11 سبتمبر 2004م الموافق 26 رجب 1425هـ

كرة القدم ليست مجرد رياضة...!

علي ربيع comments [at] alwasatnews.com

على غير العادة، لم تتصدر العناوين العريضة عن الخلافات السياسية بين المعارضة والحكم، أو تجاذبات العاطلين من حملة الشهادات مع وزارة العمل، صحف البحرين عندما تأهل المنتخب البحريني إلى الدور نصف النهائي من البطولة الآسيوية، في إنجاز هو الأول من نوعه على صعيد المنتخب الأول لكرة القدم. فتجاهلت الصحافة المحلية تلك المعضلات التي طالمها تحدثت عنها، لتفرد مساحة واسعة لتغطية الحادث الآسيوي والإنجاز البحريني. وإلى جانب الصحافة، غطت قناة البحرين الفضائية والقناة الرياضية المشاعر التي غمرت المواطنين والذين خرجوا بالآلاف للشوارع فرحاً وابتهاجاً بهذا الفوز، في لحظة يُتخيل فيها أن مشكلات المواطنين على اختلافها قد حلت بلمحة بصر. لقد أعطى فوز المنتخب بُعداً آخراً للرياضة عموما، ولكرة القدم خصوصاً، فيما هو خارج عن الرياضة.

إن سطوة وسحر كرة القدم بلغت حد التداخل مع السياسة والعلاقات الدولية. وما يذكر عن سحر كرة القدم الذي يبلغ حد التخدير، عشقها الجنوني من قبل شعوب أميركا اللاتينية، التي يقال إنها لا تريد من الدنيا غير مشاهدة مباريات كرة القدم، وتوفير الطعام الذي يبقيها على قيد الحياة. ولعل المباراة الخيرية - التي أقيمت بين منتخب البرازيل ومنتخب هاييتي التي تعاني من اضطرابات داخلية، بهدف نزع سلاح «الجماعات المسلحة المتناحرة على السلطة في البلاد، ومن بينها جماعات المتمردين السابقين، والعصابات الإجرامية المسلحة، والسجناء الهاربين، والميليشيات الموالية للرئيس السابق أريستيد» - تعبر بصدق عن أبعاد كرة القدم الأخلاقية، وتداخلها مع السياسة إلى حد كبير.

فقد سبق أن اقترح رئيس وزراء هاييتي المؤقت جيرار لاتوترتيو - بحسب رويترز - «استخدام دبلوماسية الأسلحة مقابل كرة القدم» بمعنى مبادلة كل قطعة سلاح بتذكرة للمباراة لمشاهدة نجوم المنتخب البرازيلي العالميين، وعلى رغم أن الاتفاق على هذه الصيغة لم يتم في النهاية، فإن فرحة الأطفال وابتسامة الفقراء باستقبال لاعبي المنتخب البرازيلي كان لها أثر بالغ على نفسياتهم المحطمة بفعل الصراع الداخلي.

وخيمت أجواء جمود العلاقات والعداء المتبادل بين إيران والولايات المتحدة على مباراة منتخبي إيران وأميركا في كأس العالم 1998، إذ كانت المواجهة الرسمية الأولى بين البلدين «العدوين» على صعيد كرة القدم، منذ قيام الثورة الإسلامية العام 1979م، وفرض الولايات المتحدة الأميركية عقوبات اقتصادية وسياسية على إيران، وقد لفتت هذه المباراة الأضواء إليها وتابعها كبار المسئولين من البلدين. واعتبر المسئولون الإيرانيون يومها فوز منتخب بلادهم بهدفين مقابل هدف واحد، فوزاً للسياسة الإيرانية وصموداً لدولتهم أمام العقوبات الأميركية.

وللحرب بين بريطانيا والأرجنتين حضورها أيضاً في كرة القدم، عندما تنازع البلدان على جزر الفوكلاند التي كانت تحت سيطرة بريطانيا، وطالبت الأرجنتين بحقها في الجزيرة التي تجاورها، والتي تبعد آلاف الأميال عن الجزر البريطانية. فكانت كل مناسبة يلتقي فيها منتخبا البلدين، بمثابة حرب غير معلنة في الملعب، إلى درجة أن أسطورة كرة القدم العالمية الأرجنتيني مارادونا أثناء كأس العالم 1982، قال إنه يدخل الملعب ليحارب، مثلما يحارب الجندي الأرجنتيني في جزر «فوكلاند». وفي السياق ذاته، نقل موقع نادي ليفربول الإنجليزي على لسان ماردونا قوله إنه كان يتمنى اللعب في الفريق الإنجليزي، ولكن ما منعه من ذلك جمود العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في فترة حرب الفوكلاند وما بعدها.

أما القضية الفلسطينية فهي حاضرة بدورها في كرة القدم. فقبل أشهر معدودة توّج فريق سخنين - الذي يمثل مدينة عربية - بالفوز بكأس «إسرائيل»، ما يخوّله لحجز مقعد في بطولة كأس الاتحاد الأوروبي، وهو أمر غير مسبوق أن يخرج فريق يمثل مدينة أو قرية عربية في «إسرائيل» للمشاركة في البطولة الأوروبية، الأمر الذي أثار حفيظة كثير من المسئولين الإسرائيليين من الدائرة الرياضية وخارجها، واعتبر مسئولو نادي سخنين انتصار فريقهم «انتصاراً فلسطينياً» وردّاً على محاولات «تهميش» قضية عرب الخط الأخضر.

الزعامات السياسية بدورها لم تنس حضور مباريات كرة القدم، على رغم مشكلاتها المتعددة مع المعارضة. فتلك التجاذبات لم تمنع نائب الرئيس الأميركي السابق آل غور من تتويج المنتخب البرازيلي بكأس العالم التي استضافتها الولايات المتحدة العام 1994. وكذلك الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي بدا مرحاً على غير عادته، عندما حضر نهائي كأس العالم العام 1998م التي أقيمت في عاصمة بلاده بين منتخبي البرازيل وفرنسا، وقد ارتدى شيراك يومها قميص المنتخب الأزرق، وترجّل مبتسماً رافعاً يده مع كل هدف تم تسجيله - وقف ثلاث مرات على عدد الأهداف - وكأنه مشجعٌ متعطشٌ للفوز ولرفع الكأس، كحال المشجعين المهووسين بكرة القدم.

وفضل ملك الأردن عبدالله الثاني أخذ «إجازة» وسارع إلى الانتقال إلى الصين لمتابعة منتخب بلاده الذي وصل إلى مراحل متقدمة من البطولة الآسيوية. وهكذا يبدو أن كرة القدم ليست مجرد رياضة يمارسها محبوها ويتابعها الجمهور بشغف حتى الموت، بل نشاطٌ سياسي واقتصادي ورياضي، يحرص السياسيون على حضوره كما يحرص اللاعبون والجماهير، وتحرص السياسة على الحضور في معظم المباريات الدولية، كما تحرص الرياضة نفسها على الحضور في هذه المناسبات.

كاتب بحريني

العدد 737 - السبت 11 سبتمبر 2004م الموافق 26 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً