العدد 737 - السبت 11 سبتمبر 2004م الموافق 26 رجب 1425هـ

النزاع على البصلة

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

أعرف أن الحق مُرّ، ومن يحبك اليوم لن يتوانى غداً عن إلقاء الحجارة على ما تكتب إن تضررت مصالحه الشخصية من ذلك. ليس ذلك مهماً، المهم هو استخدام العقل والخروج من سجن العاطفة الساذجة. أعلم أن بعض مسئولينا قد يزعجهم النقد الصريح، ولكن قناعتي أن تصحيح شللية المؤسسات يكون ولو بإبرٍ صينية. ارتفعت أسعار النفط وأصبح هناك فائض من الأموال، ولكن السؤال: ماذا ستفعل الحكومة البحرينية بهذا الفائض... هل ستقوم بعملية مسح لجميع القرى فتبني البيوت؟

وزارة الإسكان تقول: هناك نقص في الأراضي، ونحن نقول: أين المساحات الواسعة؟ أين ذهبت؟ أين ذهب خليج توبلي؟ وكيف دفن البحر؟ وعلى من وزعت أراضيه؟ كيف ارتفعت أسعار البناء الجنونية؟... أماكن يجب - إن كانت الأزمة أزمة عالمية - أن تقوم الحكومة بدعم المواطن ولو على هيئة كوبونات ليخرج من هذا المأزق.

يوم الجمعة مررت على مزارع وبساتين على مد الأفق وبعضها في قلب القرى، تألمت لأني رأيت بستاناً جميلاً علمت أنه وقف للإمام الحسين، لكن التاريخ أضاعه، وكذلك الصمت. تذكرت علي بابا والمغارة المذهبة... مازال الينبوع يضخ ذهباً، لكن كل ذلك لا يثير شهيتنا مادمنا نضخ دموعاً موسمية تذكرنا بالذكرى، فنقول عندما نسمع الحسين يستغيث قائلاً: «ألا من ناصر ينصرنا...» فنصرخ: «لبيك يا أبا عبدالله»... نعم، لبيك يا أبا عبدالله، هذه أموالك مقسمة ولم ننطق بحرف ولم ندفع موقفاً... ومازالت أراضيك على ما هي عليه أكثر من 600 أرض غير مسجلة وضائعة تنتظر الحمية العملية... عجبي، لماذا يزداد صمت الحكومة تجاه ما يحدث للأوقاف؟... لماذا لم تحرك ساكناً؟ لا، لم نيأس ولن نيأس من مطالب تصحيح الوضع في الأوقاف. البعض يقول في المجالس: أنا خدمت الأوقاف. هنا تذكرت قول الشاعر:

إنَّ ابن آدم لا يعطيك نعجته

حتى يأخذ منك الحمل والجملا

عود على بدء أقول: من حق المواطن أن يحلم بسكن مريح وبراتب وعمل، الناس مشغولة بالتوافه، بالبصلة ونست البيدر. لا أمنع الناس من الحديث في السياسة، ولكن ما أدعو إليه هو الحديث أيضاً عن الموارد المالية، فلنسأل عن المناقصات الكبرى... وكموظفين، يجب أن نركز في أية وزارة على أخطر إدارتين، إدارة الشئون المالية وإدارة الشئون الإدارية. اسألوا عن التوظيف، طالبوا بالشفافية في طرح الأسماء، ابحثوا عن أسماء الشركات، هل هي ملك لوزراء أو مسئولين أم لا. اسألوا عن البعثات في الوزارات، هل يتم ابتعاث أبناء مسئولين وفق معايير علمية أم لا؟ اسألوا عن أسماء مديري الإدارات، ما مؤهلاتهم الأكاديمية؟ اسألوا عن أقسام المشتريات، وهل هناك تجزيء للمناقصات لتمرير مناقصة هنا أو هناك أم لا؟ دعونا نعقد ندوات وورش عمل عن بعض المواد الدستورية والموجودة في غالبية دساتير العالم من قبيل: «تتخذ الدولة التدابير اللازمة من أجل تحقيق استغلال الأراضي الصالحة للزراعة بصورة مثمرة، وتعمل على رفع مستوى الفلاح، ويحدد القانون وسائل مساعدة وتمليك الأراضي لصغار المزارعين».

فلنسأل وزارة شئون البلديات والزراعة عن المزارع والزراعة وعن الفلاح. المادة العاشرة تقول: «الاقتصاد الوطني أساسه العدالة الاجتماعية...»، لماذا لا نسأل الوزير سيف عن البيت الآيل إلى السقوط للمواطن عبدالحسين حبيب في أبوصيبع... بيت الطين؟ ولنسأل عن المادة (9) ب: «للأموال العامة حرمة، وحمايتها واجبة على كل مواطن». السؤال: ماذا عن بنك الإسكان؟ أين وصلت القضية؟... وماذا عن الأوقاف الجعفرية؟... وهل سيفتح تحقيق عن محطة الحد؟ وأين تقرير لجنة التطوير والرقابة المالية والإدارية التي راحت تبحث عن «البلاوي» في وزارة الكهرباء؟... السؤال: أين هو التقرير؟ اذهبوا إلى المادة 4، فهي تقول «الحرية والمساواة والأمن والطمأنينة والعلم والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة».

إذاً، يجب على الدولة أن تفكر ملياً في مسألة تكافؤ الفرص... لماذا صمت البرلمان عن هذه المادة؟... هل هناك تكافؤ فرص في تعيين أعضاء مجلس الإدارات للشركات التي للدولة أسهم فيها؟ هل هناك تكافؤ فرص في تنصيب المديرين العامين كما يحدث في الشركات الكبرى؟ هل مبدأ تكافؤ الفرص يطبق على مستوى توزيع مناصب المديرين للإدارات في الوزارات؟ وماذا بالنسبة إلى رؤساء الأقسام؟ وماذا عن الوكلاء والوكلاء المساعدين؟... هل هذه المادة الدستورية مطبقة؟ أقول بكل صراحة: لا، إنها ليست مطبقة وبيننا وبينكم الوثائق والأرقام. وهنا أخاطب وزير الداخلية، أنتم تقومون بتطبيق شرطة المجتمع... شيء جميل نشجع عليه، ولكن نحن في القرى نطالب بأن تأخذوا من أبنائنا ليدرسوا في الكليات العسكرية، وعندكم مئات العوائل في البحرين تتمنى الالتحاق لنسيان الماضي.

أين ذهبت المادة الدستورية (16 - ب): «المواطنون سواء في تولي الوظائف العامة وفقاً للشروط التي يقررها القانون»؟... كيف تم التوظيف في البرلمان والمحكمة الدستورية والنيابة العامة وهي مؤسسات جديدة؟ المادة 18 تقول: «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة». هذه المادة الدستورية لا تترك مجالاً لأحد لأن يفلت منها، ولكن السؤال: ماذا يجري على الأرض؟ هل لنا أن نضع هذه المادة بالخط العريض لكل الوزارات والمؤسسات والمصارف في البحرين وخصوصاً عند مديري التوظيف؟ هل لنا أن نطرحها أمام أعين المسئولين في المالية والكهرباء والإسكان والبلدية والصحة والجامعة والداخلية والخارجية والدفاع والتربية والعدل والشباب والرياضة والإعلام والخدمة المدنية والإحصاء والسجل السكاني ومركز الدراسات والبحوث والشركات الكبرى إلخ... وهل لنا أن ننادي بأعلى الصوت من دون مجاملة حتى نحقق بحرين المساواة؟ لماذا الرهبة من الأرقام؟ لماذا تصمت الوزارات أمام الأسئلة التي أطرحها؟ لماذا ترفض المناظرات إن كانت على حق؟ عرفنا الوزارات أنها إذا كانت على حق فهي تلقي جام غضبها على السائل في اليوم الثاني وفي الصفحات الأولى... وهنا نقول: لماذا صمتت كل هذه الوزارات؟ إذا لم تكن هناك محسوبيات أو تمييز، فلماذا لا ترد على الأسئلة بالأرقام؟

إذاً، هي تخشى من فتح الملف، وأنا على يقين بأنه لو يتم فتح ملف التمييز والمحسوبية في كل هذه الوزارات فإنها ستكون كارثة ما بعدها كارثة.

وصيتي للمجتمع... اتركوا عنكم القضايا الهامشية... «هواش» على مسجد أو خصام بين عوائل، إلخ... فكروا في الخيار الوظيفي والمالي وفي الاقتصاد، وأين أنتم من الكعكة الإدارية والاقتصادية... غيّروا بوصلة اهتماماتكم من الخلاف على البيضة والدجاجة واذهبوا إلى المزرعة

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 737 - السبت 11 سبتمبر 2004م الموافق 26 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً