العدد 737 - السبت 11 سبتمبر 2004م الموافق 26 رجب 1425هـ

من فعلها؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حتى الآن لا يُعرف من قتل الرئيس الأميركي جون كنيدي؟ وعلى الأجيال أن تنتظر 50 سنة إضافية لتعلن القصة الكاملة لجريمة الاغتيال؟

هذا من جانب كنيدي. أما من جانب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 فإن الأمر يتطلب المزيد من الوقت لمعرفة من هو الفاعل الحقيقي لتلك الجريمة التي ورطت الولايات المتحدة والعالم الإسلامي في حرب مديدة قال وزير الدفاع دونالد رامسفيلد إنها قد تستمر قرابة 20 أو 40 سنة لينجلي غبارها.

فعلاً، هناك أسئلة... من المستفيد من هذه الحرب؟ ولمصلحة من تجري؟ وإلى أين ستنتهي؟

كل هذه الأسئلة لا جواب عليها نظراً إلى تداخل القضايا ببعضها بعضاً. فهناك الجانب الديني وهناك السياسي وهناك الاقتصادي وهناك الأمني وهناك أيضاً تجار الحروب وهم أصحاب مصلحة في استمرار التوتر الدولي والقلق الأمني وما يتفرع عنهما ومنهما من إجراءات تمس سيادة الدول وحرية الأفراد.

هجمات سبتمبر أخطر بكثير من اغتيال كنيدي. فالأخيرة قصة داخلية لها علاقة بصراع الأجهزة واختلافها بشأن التورط في حرب فيتنام. بينما الأولى فهي قصة كبيرة وعالمية الامتداد ولا يمكن وقفها إلا بعد أن تنجر إليها الأطراف المختلفة وتتورط بها الكثير من الجهات. والحرب على الإسلام ليست سهلة كما يظن البعض، وهي أبعد عن كل تلك المقارنات التي يعقدها خبراء في شئون «الحرب الباردة» ويشبّهون انتصار الولايات المتحدة على الاتحاد السوفياتي باحتمال انتصار أميركا على الإسلام.

هذا النوع من المقارنات مخيف في مغالطاته. لأنه يبدأ من مقدمات خاطئة وبالتالي سينتهي لا محالة إلى نتائج خاطئة وقد تكون مهلكة للطرفين وربما لمختلف دول العالم. فالإسلام مسألة مختلفة عن الشيوعية، لأن الحرب على الأخيرة ايديولوجية - سياسية، بينما الحرب على الأولى فهي دينية - حضارية. واقتلاع الدين (الحضارة) أصعب بعشرات مئات المرات من اقتلاع أحزاب ايديولوجية استولت على السلطة في ظروف دولية أملتها تداعيات الحربين العالميتين الأولى والثانية.

المسألة إذاً أصعب وأخطر ولأنها كذلك فإنها تطرح السؤال الملحّ «من فعلها؟».

كل ما ذكر حتى الآن من معلومات لا يتجاوز حدود رواية تقال للأطفال. والرواية يمكن اختصارها بإيجاز كالآتي: هناك مجموعة من الشبان من دول عربية وإسلامية مختلفة لهم صلات بعيدة أو قريبة من «القاعدة» توجَّه بعضهم إلى أفغانستان ثم عادوا لمواصلة دراساتهم العليا في جامعات مختلفة، أعيد تنظيمهم وتدريبهم بضع ساعات على قيادة الطائرات، ثم توجهوا إلى مطارات مختلفة ولا يعرفون بعضهم (أو يعرفون بعضهم) واستولوا على طائرات وقادوها بعد أن حرفوا مسارها وضربوها بمركز التجارة العالمي ومبنى البنتاغون... وبعدها بدأت الحرب العالمية على الإرهاب الدولي.

هذا هو مختصر القصة البوليسية وغيرها من معلومات مجرد تفصيلات مملة لإثبات جوهر الرواية.

حتى الآن لم يطرح الشك في القصة أو تطرح أسئلة بسيطة يرددها عادة مفتش في التحقيقات، مثل هل يمكن تعلم قيادة طائرة بكل هذه البساطة؟ وهل يمكن أن ينجح تلميذ بسيط أخذ بضعة دروس أو ساعات في مركز تدريب على الأرض في خطف طائرة ويقودها بسهولة ويحرفها عن مسارها المحدد ويتجه بها من بوسطن مثلاً إلى نيويورك ويضرب مبنى بدقة متناهية؟ وهل قيادة الطائرات مهمة سخيفة وسهلة إلى هذه الدرجة؟ وهل أن قادة الطائرات تعلموا مهنة بسيطة يمكن لأي عابر سبيل تعلمها من الأرض ومن دون حاجة لدروس وتدريبات قاسية في الأجواء؟ وهل يمكن لمتدرب على الأرض أن يقود طائرة ضخمة الحجم ومعقدة تكنولوجياً ويحرفها عن مسارها المبرمج بكل هذه السهولة؟ وهل يمكن لمتدرب على الأرض لساعات قليلة أن يقود طائرة في السماء ويصول ويجول بها من مكان إلى آخر ويتجه بها بدقة متناهية إلى هدف محدد؟

إذا كان الأمر بمنتهى هذه السهولة فلماذا تدفع مئات آلاف الدولارات لتدريب الطيارين على الطيران لمدة تزيد على السنوات الأربع، ثم يعاد تدريب الطيار المتخرج سنوات أخرى ليختبر كل الأجواء والحالات حتى يسمح له بقيادة الطائرة؟

كل المعلومات التي يشير إليها الطيارون وتحديداً قادة الطائرات المدنية الضخمة جداً والمعقدة تكنولوجياً... هي أن هذا من الأمور المستحيلة. فمَنْ فعل مثل هذه الفعلة لابد أن يكون من أمهر الطيارين وعنده تدريبات قاسية لا تقل عن 500 ساعة طيران في مختلف الحالات والأجواء؟ فما حصل في 11 سبتمبر من غير المعقول أن تفعله مجرد مجموعة تدربت ساعات عدة على الأرض ولم يسبق لها أن قادت وتدربت على الطيران في الجو لعشرات الأيام ومئات الساعات لتحسن السيطرة على طائرات يبلغ وزن الواحدة منها أكثر من 60 طناً؟

هذه الأسئلة تبدو من الممنوعات أو تشكل الجانب المسكوت عنه في التحقيقات؟ فهل من المعقول أن لجنة التحقيق بشأن الهجمات لم تطرح مثل هذه الأسئلة؟

الاحتمال وارد. فمَنْ ينتظر 50 عاماً لمعرفة من قتل كنيدي لماذا لا ينتظر مئة عام لمعرفة «من فعل هجمات سبتمبر»؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 737 - السبت 11 سبتمبر 2004م الموافق 26 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً