العدد 737 - السبت 11 سبتمبر 2004م الموافق 26 رجب 1425هـ

بين التميز والخيبة... يتوه المتدربون والمدربون

معهد البحرين للتدريب تحت المجهر

منذ استقالة مدير عام معهد البحرين للتدريب السابق ناجي المهدي، في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2002 من منصبه، إثر قرار وزير العمل والشئون الاجتماعية مجيد العلوي - الذي كان وقتها متسلما الحقيبة الوزارية للتو - بنقله إلى العمل منسقا للبرامج في الوزارة، والمعهد لم يجد أرضية ثابتة يقف عليها، جراء التقلبات التي مرت به ومر بها، طوال العامين الماضيين.

حينها، لم تكن أسباب ذاك الإجراء معلنة أو حتى صريحة بما يكفي، لكن التعليقات التي وصلت لأيدي الصحافة والإعلام كانت تلوح إلى تغير محتوم وطارئ في هيكلة المعهد كخطوة أولى، وتقليص حجم البطالة عبر استحداث استراتيجيات جديدة للتقليل منها كخطوة ثانية وثالثة ورابعة.

كرر العلوي في تصريح لاحق «أن المعهد سيلعب دورا كبيرا في تقليص حجم البطالة في المملكة من خلال برامجه المطروحة ومناهجه التدريبية التي تتماشى مع سياسات المملكة في هذا المجال».

وبعد عام تقريبا، قال العلوي إن وزارته اتخذت إجراءات عدة لتحسين مخرجات المعهد، من بينها قيام عدد من المؤسسات والمنظمات الدولية (مثل البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية) بإعداد دراسات لتطوير برامجه وأدائه.

وفي موقع آخر، قال: «إن صوغ الهيكل الوظيفي من جديد، ووضع كل شخص في مكانه الصحيح، سيحققان تطلعات منتسبي المعهد».

ترى، ما الذي تغير حقا بعد عامين من إعادة الهيكلة، والنية الملحة في القضاء على الفساد الذي تحدث عنه كدافع للتغيير... ومساعي القضاء على شبح البطالة الجاثم على صدر المملكة منذ سنوات؟

الإجابة ليست جاهزة، وواقع الحال أن المعهد الآن لا يشير لا من قريب ولا من بعيد إلى تحسن الحال، إذا سلمنا بأنه كان سيئا قبلا.

خريجو المعهد وعلى رغم تأكيدات المسئولين المتعاقبين على كرسي الإدارة أن 75 في المئة منهم يستقطبهم سوق العمل مازالوا يشكون من الدونية التي يلقونها بعد تخرجهم من المعهد، بمجرد مقارنة الشهادة التي يحملونها بالشهادة الأكاديمية التي يحملها خريجو جامعة البحرين.

ومازالوا يكررون أنهم لا يجدون الوظائف المناسبة، ومازالت الوزارات التابعة للحكومة لا تستهوي توظيفهم. على الضفة الأخرى، لا يختلف حال المنتسبين إلى المعهد من كادر تدريبي أو إداري عن حال المتدربين فيه، إذ يظل العاملون في المعهد - بأقسامه المختلفة، سواء الذين تم تثبيتهم رسميا أو من يرزحون تحت نظام العقود التي تظل تتجدد لأشهر طويلة - بحسب حاجة المعهد، لا بحسب الكفاءة أو القدرة.

وعود في وعود

ولسان حال الشكوى من فريق العاملين الموعودين منذ عامين بتعديل الأوضاع في المسميات الوظيفية وفي الرواتب والابتعاث للدراسة في الخارج، وما يلحق بهم من تحسينات وتعديلات مرتبطة بالتغيير الموعود، يظل يكرر أن كل الوعود لم تفعل ولم تر النور، ذلك على حد تأكيدات قطاع الكادر الوظيفي الحالي، ومن اضطر لترك الوظيفة لسبب أو لآخر.

على الطرف المقابل، تستمر تصريحات المسئولين عن المعهد، سواء المسئولين عن إدارته من الداخل أو من يراقبه من بعيد (وزارة العمل والشئون الاجتماعية) في الترويج للسمعة المعاكسة (الايجابية حتما)، إذ يقول الوزير العلوي، بعد سلسلة من التصريحات التي تشيد في متنها بالبرامج التي يقدمها المعهد، والتي «تحظى بتأييد واسع خارج الحدود المحلية»، ردا على سؤال النائب إبراهيم العبدالله بشأن دور المعهد وقدرته على الكفاءة العلمية والمهنية للمتدربين: «إن نظام التدريب والتقويم الذي يتبعه معهد البحرين للتدريب يركز على تزويد المتدرب بجميع الكفايات الضرورية، إلى جانب التركيز على التدريبات العملية والتطبيقية وتعزيزها بالأصول النظرية والمفاهيم الأساسية للتخصصات التقنية، ويحرص المعهد على تدريب منتسبيه على كيفية تنمية وإنشاء المؤسسات الصغيرة التي قد يتبناها المتدرب كأحد خيارات العمل بعد التخرج (...) إن المعهد حقق نجاحات جيدة خلال فترة عمله منذ تأسيسه في العام 1981 حتى اليوم، وتشير الإحصاءات إلى أنه تمكن من تحقيق نسبة توظيف عالية، مقارنة بالمعاهد الأخرى العاملة في البحرين، إذ وصلت إلى 75 في المئة تقريبا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من التخرج».

مبينا أن هذه النسبة تعتبر مؤشرا جيدا على أن السياسة التدريبية التي يتبعها المعهد تتوافق إلى حد ما مع توقعات واحتياجات سوق العمل، إذا ما أخذ في الاعتبار صغر حجم السوق المحلية والمنافسة من قبل العمالة الوافدة والرخيصة.

وفي حديث صحافي آخر يقول: «ليس بالإمكان القضاء على البطالة بشكل نهائي، لأنها ظاهرة طبيعية في جميع البلدان، إلا انه بالإمكان استحداث خطط واستراتيجيات جديدة من شأنها التقليل من حجم القضية وتأمين مستقبل أفضل للبحرين».

رسالة...

لكن المتناقضات تستمر، ففي رسالة وصلت إلى «الوسط» حررها أحد الموظفين الذين تركوا العمل في المعهد بسبب رداءة الأوضاع فيه كما يزعم جاء فيها «أن الظروف الصعبة التي يمر بها المعهد في الوقت الحاضر تستدعي التكاتف والتعاضد وتدعيم روح الفريق الواحد بين الموظفين حتى يتسنى لنا المرور من عنق الزجاجة بأمان».

وفي سؤال وجهه إلى من يعتلي أعلى الهرم الوظيفي في المعهد قال: «هل أنت راض عما وصل إليه حال المعهد؟ هل يعجبك أن ترى هذا الكم الهائل من التذمر في أوساط الموظفين والمديرين في المعهد؟».

في فقرة لاحقة، يرتب هذا الموظف ما ينغص العمل في نقاط فيقول: «أولها حال الاستياء العام والتذمر في أوساط الموظفين والمتدربين، ثانيها، التسيب في العمل وفي قطاع التدريب بشكل أساسي، وثالثها تراجع الالتزام واللامبالاة، وآخرها تسرب الإحساس بالإحباط من الموظفين إلى المتدربين». داعيا في الوقت نفسه إلى «المصارحة والمكاشفة بالأسباب التي قادت إلى هذا الوضع».

ويذهب صاحب الرسالة إلى الاعتقاد بـ «أن الوعود الكثيرة والمتكررة بخصوص زيادة الرواتب للموظفين بلا استثناء، وإعطاء تواريخ محددة لذلك، من دون الوفاء بتلك الوعود قاد إلى الإحباط (...) تضاف إلى ذلك المركزية في اتخاذ القرارات، والمزاجية في التعامل، وسياسة الباب المغلق...». بعدها يدخل في تفصيلات لا سبيل لعرضها هنا جراء خصوصيتها.

أين الحقيقة؟

لا نعرف مدى دقة ما كتب، لكننا نعرف أن ما كتب لم يأت من فراغ بدليل تكرار التفصيلات ذاتها على لسان الكثيرين من الذين يدعون الصحافة إلى فتح ملف المعهد شريطة عدم التصريح بالأسماء، فمنهم من ترك المعهد وغادر إلى وظائف أخرى «أفضل» كما يقولون، ولا يريد أن يقطع حبل الود ومنهم من مازال يعمل هناك ويخشى نقمة أو توبيخاً آتياً أو قطع عيش.

تقول إحدى الموظفات (طلبت عدم التصريح باسمها): «نعاني كثيراً، ولكل قسم مشكلاته، الشكوى لا تنحصر في فئة دون أخرى، هناك الموعودون بتعديل الأوضاع، وآخرون بزيادة الرواتب، وغيرهم بالتثبيت، وذلك يؤجل شهراً بعد شهر، والكل يكتفي بالانتظار والإحباط».

وزميلتها التي تعمل في وظيفة إدارية تقول: «تخرجنا للتو، ويملأنا الحماس... أحببنا العمل في المعهد، لكننا نفتقر إلى الأمان بسبب تأجيل تحويلنا إلى العمل بنظام دائم بديل عن نظام العقود التي تتجدد ما بين الحين والحين (...) نحتاج إلى أن نشعر بقيمة ما نقدم، نحب العمل ونحب أن نتطور معه». ومن الكادر الوظيفي إلى قطاع المتدربين، تقول بهجة حسين التي تخرجت من دبلوما فنون وتصميم: «اخترنا دراسة هذا التخصص لأنه جديد في البحرين، كنا متفائلين إلى درجة كبيرة، واعتقدنا أن آفاق العمل ستفتح لنا بحكم حداثة التخصص، لكن بعد التخرج كان العمل في مصانع الملابس الجاهزة خيارنا الوحيد، والكل يعرف ما أثير في العمل في المصانع وخوف الأهل على بناتهم، يضاف إلى ذلك تدني الأجور و رداءة بيئة العمل، المحصلة أنني وبعضاً من زميلاتي عاطلات عن العمل الآن، وأخريات يعملن في وظائف لا علاقة لها بالتخصص لا من قريب ولا من بعيد، وسنوات الدراسة ضاعت هباء».

طريق... إلى أين؟

ردا على ما يتداوله الطلبة المتدربون والخريجون يعلق الوزير هنا «المعهد ليس طريقا إلى الجامعة، وإنما إلى سوق العمل (...) إن خريج المعهد يحصل على الدرجة السادسة في الحكومة، وديوان الخدمة المدنية يضع اعتبارا لشهادة المعهد».

فيما يؤكد مدير المعهد الحالي محمد درباس في تصريح صحافي سابق على رغم أنه لا يحبذ التصريح للصحافة، أنه «يمكن لخريج المعهد مواصلة دراسته في بريطانيا»، متباهيا بكون المعهد الوحيد الذي يحصل على شهادة التميز مرتين خلال ثلاثة أعوام في الشرق الأوسط متنافسا في ذلك مع قرابة الـ 70 معهداً تدريبياً.

شهادة التميز

وفعلاً، حصل المعهد قبل شهور قليلة على شهادة التميز والجودة في البرامج التدريبية للمرة الثانية من قبل مؤسسة «ادكسيل العالمية»، (إحدى كبريات الهيئات البريطانية المانحة للمؤهلات المهنية)، وهذا ما اعتبر وقتها اعترافاً عالمياً بجودة مخرجات التدريب التي يقدمها المعهد ومراعاة للاستمرار في تطوير تلك البرامج وفق متطلبات سوق العمل.

الوزير أكد أن هذا الاعتراف الدولي سينعكس ايجابا على ثقة المتدرب في جودة البرامج التي يقدمها المعهد وعلى صاحب العمل كذلك الذي يثق تماما بأن متدربي المعهد مؤهلون لسوق العمل بمستويات عالمية، مشيرا إلى أن المعهد حصل على الشهادة الأولى العام 2001.

وفي الوقت ذاته أكد العلوي أن «المعهد لا يبحث عن اعتراف بشهادته»، حين منح المعهد شهادة التميز والجودة في البرامج التدريبية، ليطالب في المقابل بمعادلة شهادة دبلوما الوطنية(HND) بدرجة البكالوريوس الصادرة عن جامعة البحرين.

الحديث عن المعادلة بين الشهادات الصادرة عن جامعة البحرين، وتلك الصادرة عن المعهد يظل جدلا دائرا، من دون أن يصل إلى نقطة اتفاق.

الطلبة يواصلون القول إنهم يعاملون بدونية في سوق العمل، ولاسيما في قطاع الوزارات، يقول السيد إبراهيم حسن: «ما لمسناه من تعامل الوزارات مع شهادة خريجي المعهد كان سلبيا في غالبية المواقع، والكثير من الوزارات تفضل الاستعانة بالفنيين من الخارج على توظيف البحرينيين». وهذا ما يلوكه أكثرية المتخرجين من المعهد.

نظرة إلى الوراء

وبالرجوع إلى تاريخ المعهد المؤسس مطلع الثمانينات، والمحطات التي مر بها على مر السنوات منذ صمم المعهد لاستيعاب المتسربين من التعليم أو غير القادرين على تحمل الكلفة الباهظة، ووقتها للدراسة الجامعية، نجد تحولا إلى الأفضل حصل فعلاً، مقارنة بالفترة التي كان فيها مركزاً محلياً هزيلاً تدفع الوزارة مخصصات مالية شهرية للمتدربين فيه لتشجيعهم على الاستمرار في التدريب.

أما خلال العقد الماضي، فقد تحول إلى خيار آخر لخريجي الثانوية العامة ممن لم تسعهم الجامعة جراء تدني معدلاتهم حين التخرج، هذا من جانب، أما الجانب الآخر، فيتعلق بالبرامج التدريبية المعترف بها عالميا.

من الداخل يؤكد المتحمسون للعمل في المعهد أنه بمضي الوقت وبتعاقب السنوات أصبح المعهد ذا صفة عالمية، وصار محلا لإعجاب المعنيين بالتدريب على الصعيد الخارجي، نتيجة البرامج التدريبية التي تتلاءم واحتياجات سوق العمل، كبرنامج التدريب على صوغ الذهب والمجوهرات على سبيل الاستشهاد، والذي حظي بدعم من أرباب الأعمال في قطاع المعدن الأصفر، إلى الدرجة التي دفعتهم إلى كفالة عدد من المتدربين وهم في المراحل الأولى للتدريب، ودفع مخصصات شهرية لهم.

في مرحلة لاحقة كتب في الصحافة نقلا عن الوزير أنه «تم تكليف مؤسسة متخصصة بدراسة كفاءة المعهد وما يقدمه من برامج تدريبية ومؤهلات مهنية، لتجميع أنسب الحلول العملية لتطوير المناهج، وكذلك أداء طاقم التدريب والتدريس والإدارة والخدمات، وتكليف فريق عمل مختص يشارك فيه عدد من الخبراء والمختصين من القطاعين الخاص والعام لإعداد استراتيجية المعهد للسنوات الخمس المقبلة بما يتناسب وحاجات سوق العمل، ويتماشى والمعايير والمؤهلات المطلوبة من قبل مؤسسات القطاع الخاص، وتعزيز مساهمة القطاع الخاص في إعداد وصوغ برامج التدريب ومناهجها واختيار انسب وسائل التدريب من الناحيتين النظرية والعملية». وتبقى المنافسة بين معهد البحرين للتدريب، والمعاهد الأخرى، في مقابل وعي الشركات بأهمية التدريب المتواصل، نظير الكلفة المرتفعة للتدريب... أمور متداخلة يشد بعضها الآخر.

الموازنة

يقدر دعم الحكومة لموازنة المعهد بـ 3,5 ملايين دينار سنويا لتدريب الباحثين عن عمل، فيما قدر الوكيل المساعد للتدريب في وزارة العمل عبدالإله القاسمي أخيراً حاجة المعهد بـ 5,5 ملايين دينار سنويا ليواكب تطورات سوق العمل وتحديث البرامج التدريبية، مشيرا إلى أن المعهد يسد النقص من الإيرادات الذاتية، عبر توفير البرامج التدريبية التي تصل كلفة البرنامج الواحد منها قرابة 2500 دينار، يقلصها الدعم الحكومي إلى 150 ديناراً، ليدفعها الطالب المتدرب.

ويتوقع المسئولون في وزارة العمل تقلص الوفرة المالية المخصصة للتدريب في غضون السنوات القليلة المقبلة، ليصبح الخيار الوحيد توفير دعم تقدمه وزارة المالية والاقتصاد الوطني، عبر زيادة الموازنة، وخصوصا مع تنامي أهمية التدريب بالتزامن مع تنامي القطاع الخدمي، والمشروعات الوطنية الضخمة في المقابل، ما يفسح المجال لاستيعاب المزيد من العمالة الوطنية.

هكذا نلحظ عن كثب كيف يتناقض الواقع في معهد البحرين للتدريب بين التهليل للتميز ونقيض مغرق في الإحباط والاحتفاء بالانتظار

العدد 737 - السبت 11 سبتمبر 2004م الموافق 26 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً