تعكس ردة الفعل السورية ازاء قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 الذي طالب سورية بسحب قواتها من لبنان موقف استهانة بالقرار، على رغم ان القرار، يتضمن تهديدات مبطنة ضدها بموجب تكليفه الامين العام للامم المتحدة، رفع تقرير للمجلس عن موقف الاطراف المختلفة من القرار بعد شهر من صدوره، وهو أمر قد يترتب عليه تغيير ربما يكون تصعيدياً من جانب المجلس لاجبار سورية على سحب قواتها من لبنان.
لقد تبع صدور القرار 1559 ارتباكات في سياسات دمشق منه بين القول، ان صدور القرار 1559 «انتصار لسورية ولبنان»، وهي ارتباكات يمكن ان تكون مفهومة نتيجة الانتقال الفرنسي الى جانب الولايات المتحدة في تبني مشروع القرار، ونتيجة عدم الممانعة التي قوبل بها القرار داخل مجلس الأمن، ما جعله يمر بعد تعديلات طفيفة وغير جوهرية في مضمونه الذي يحمل رسالة تهديد لسياسة دمشق في لبنان. وظهر الارتباك السوري في عدم تقديره الاخطار التي يحملها على سورية وعلى لبنان في آن معاً، بحيث يمكن ان يكون مدخلاً لحرب على سورية، وان يكون لبنان بوابة تلك الحرب. وفي هذا السياق وصفت دمشق فترة الشهر التي سوف يرفع بعدها تقرير الامين العام الى مجلس الأمن بأنها «فقرة روتينية .. ولا تعني شيئاً».
والحق، فإن الموقف السوري من قرار مجلس الأمن وتداعياته المحتملة، كان يمكن فهمه في سياق آخر، لولا ان الموقف السوري كثيراً ما تكرّر في سياسة سورية الخارجية خلال السنوات القليلة الماضية باظهار شيء من اللامبالاة والاستهانة ازاء سياسات ومواقف دولية واقليمية، يمكن ان تشكل خطراً جدياً على سورية والسوريين، مثل التهديدات الاسرائيلية ضد سورية، والادعاءات الاسرائيلية، التي اكتفى وزير الخارجية السوري بالرد عليها بالقول «انها تفتقد الصدقية».
كما تنتمي الى الموقف المستهين وغير المبالي ذاته موجة المواقف من قرار العقوبات الاميركية على سورية، وردات الفعل التي تبعتها في أوساط عدد من رجال السياسة السوريين، بحيث وصف بعضهم العقوبات بأنها «مضحكة»، وقال آخرون انها «غير مؤثرة». وتجاوز بعضهم ذلك بالقول «انها عقوبات على واشنطن»! لكن واقع الحال اثبت ان تلك الاقوال جميعاً هي المضحكة، وان خطر قرار العقوبات الاميركي على سورية جدي، على رغم محدودية تأثيراته الظاهرة. وقد خلق مشكلات كثيرة لسورية، وقد يساهم في خلق مشكلات أكثر خطورة في المستقبل، تتجاوز حدود العلاقات السورية - الأميركية.
ان جعل الاستهانة وعدم المبالاة سياسة سورية، يضع سورية في دائرة الاخطار في وقتٍ تواجه فيه تحديات داخلية وخارجية، كما انها تواجه مخاطر تهديدات قوة اقليمية طاغية هي «اسرائيل»، إضافة الى تهديدات قوة دولية صارت جارة لسورية في الشرق هي الولايات المتحدة! ولكل واحدة من القوتين مطالب من دمشق تتعلق في إجمالها بالموقف السوري من الوضعين الفلسطيني والعراقي، إضافة الى الموقف مما يتوافق الاسرائيليون على تسميته بـ «الحرب على الارهاب» في وقت تصنف فيه سورية بصفتها «دولة ترعى الارهاب» من جانب واشنطن، ودولة «تأوي الارهابيين وتدعمهم» من جانب «اسرائيل».
ان اعتماد الاستهانة سياسة سورية، سواء تم عن قصد او دون قصد، لا ينسجم مع مكانة سورية الاقليمية والدولية، ولامع تاريخ الدبلوماسية السورية. كما انه لا يتوافق مع روح العصر الذي بات يفرض على الدول ومؤسساتها المعنية بالسياسة الخارجية متابعة عاجلة وتفصيلية ومعمقة لكل القضايا المطروحة، واتخاذ مواقف مسئولة وجدية في التعامل مع تلك القضايا في عالم يضيق، وتتعقد علاقاته وقضاياه
العدد 736 - الجمعة 10 سبتمبر 2004م الموافق 25 رجب 1425هـ