كانت الأميركية المتقاعدة والعائدة إلى بلادها بعد رحلة إلى الدنمارك، ميرلين كولينز، تقول بمرارة: «كانت لدي فكرة بسيطة عن شعور بالاستياء من أميركا في الشرق الأوسط، لكنني لم أتصور أبدا أن ألقى هذا القدر الكبير من الكره والحقد على أميركا والأميركيين في أوروبا».
وكولينز هي واحدة من ملايين الأميركيين الذين يعيشون في عزلة تامة عما يدور خارج حدود بلادهم.
وعندما سألتها عن رأيها في الاحتلال الأميركي للعراق الذي أعقب حرب تحريره كما روج لها، ردت «قد لا يكون الاحتلال صحيحاً، ولكن كل الرؤساء معرضون لاتخاذ قرارات خاطئة... ولكن لماذا الحقد الشديد على الأميركيين؟!».
فات كولينز، أن الرؤساء عندما يخطئون في قراراتهم تكرههم شعوبهم، ولكن يبقى الأمر شأناً داخلياً، ولكن الرئيس الأميركي جورج بوش، اتخذ قراراً بشأن دول تبعد مئات الآلاف من الأميال عن حدود بلاده التي يحكمها، أما الأميركيون فمكروهون لأنهم دافعو الضرائب التي تقتطع منها المليارات لتمويل حرب العراق والحروب الأخرى التي «تفتعلها» هنا وهناك لسبب ظاهري واحد هو محاربة الإرهاب.
الكثير من الأميركيين لا يعرفون سببا آخر غير محاربة الإرهاب للحرب في العراق بسبب سوء أداء الإعلام الأميركي لمهمته في تغطيات الحرب والتقارير التحليلية المصاحبة.
فالأكاديمي في جامعة ستانفورد جون ماكمامينس يقول: «أسوأ اللحظات عندما يكتشف الواحد منا أنه يعرف كل شيء ولكنه في الحقيقة لا يعرف شيئا، هذا هو وضع الأميركيين الذين يتابعون وسائل الإعلام الأميركية... لو كان إعلامنا جيداً لما كان بوش هو الرئيس الآن».
ويتفق معه أستاذ الإعلام في جامعة كولومبيا - ميسوري، كنت كولينز في أن «الإعلام كان متراخيا، لم يؤد واجبه كما ينبغي ولم يسأل الأسئلة التي يجب أن تسأل، وهذا قاد إلى إيجاد شعب لا يعي ما يدور حوله».
في أميركا تتضافر عدة عوامل سياسية وتجارية لتنال من التاريخ العريق الذي بناه الإعلام الأميركي على مدى أكثر من قرن، متمتعا بالبند الأول من الدستور «حرية التعبير»، أهمها المساعي الحكومية لإضعاف هذا البند بتقييد حرية الحصول على المعلومات من المكاتب الفيدرالية تحت غطاء حماية الأمن القومي، أما من الناحية التجارية، فإن تركز ملكية كل وسائل الإعلام في يد ست شركات عملاقة فقط بمصالحها التجارية والسياسية المتعددة كفيل بالقضاء على حيادية الإعلام وصدقيته.
ولذلك فـ «فهرنهايت 9/11» وعلى رغم الانتقادات التي وجهت إلى بساطة تلبيته مقاييس العمل الاستقصائي كما يريد له مخرجه مايكل مور يدين له الكثيرون في أميركا ويعتبرونه «فاتحا للعيون»، تماما كما هي تفجيرات برجي مركز التجارة العالمي التي انتبه بعدها الأميركيون إلى أنه في خارج أميركا هناك أمم تريد أيضا أن تعيش في استقلال وأمان، وعندما يخرجها تدخل أميركا في شئونها عن درجة الاحتمال، لن يكون ردّ الفعل بالضرورة دبلوماسيا وحضاريا كما تشتهي أميركا والأميركيون، بل قد يختار المتضرر ردا دمويا ومدمرا تماما كما تفعل «إسرائيل» في فلسطين وكما تفعل أميركا في العراق.
الوسط - فاطمة الحجري، نبيلة سليمان، تمام أبوصافي
شكلت هجمات 11 سبتمبر/أيلول من العام 2001 نقطة تحول في الاستراتيجية الأميركية، إلا ان هذا اليوم التاريخي ترك آثاره في وعي جيل تابع لحظة بلحظة تداعيات تلك الدقائق التي تركت بصماتها في ذهن العالم.
فذلك اليوم لا ينسى وستبقى الذاكرة تلاحق تفصيلاته حتى بعد مرور الايام والسنوات الطوال.
أين كنت عندما وقعت تلك الهجمات؟ وكيف وصلت الأخبار إليك؟ وما هي الافكار التي قفزت إلى ذهنك في الوهلة الاولى؟ أسئلة حملتها «الوسط» إلى عدد من المهتمين بالشأن العام في مناسبة الذكرى الثالثة لتلك الهجمات التي ستبقى عالقة في الذاكرة إلى سنوات بعيدة.
الاستشاري الجراحي صادق عبد الله كان متوجها إلى العيادة فشد انتباهه الخبر المذاع من قبل غالبية القنوات الفضائية فظنه للوهلة الأولى خبراً طريفاً لا يختلف عن «صدق أو لا تصدق»، يقول: «المشاهد بدت وكأنها فيلماً سينمائياً، والشد الذي عشناه جعلنا نخرج بالتدريج من حال الصدمة والخيال، إلى الواقع، والخوف كان سيد الموقف، الخوف من امور كثيرة؛ منها اتهام العرب والمسلمين بما حدث، وفعلاً تحقق ما توقعناه سريعا وبعد ساعات قليلة».
التفكير في الضحايا كان ثاني ما يلفت الانتباه ويشغل الاذهان، بعدها التفكير في الرد او الانتقام مما حدث، وكانت الايام التالية كفيلة بالإجابة على كل الاسئلة الخائفة إذ مازال العرب يدفعون ثمن ما حدث بعد مضي كل هذا الوقت.
إلى ذلك، يقول عضو مجلس الشورى إبراهيم بشمي: «أذكر أني كنت استعد للخروج من البيت، ومررت على غرفة التلفزيون لأسلم على بناتي، وعرفت منهن إن محطة «سي. إن. إن» بثت خبر اصطدام طائرة بإحدى البنايات في نيويورك، وأذيع الخبر في البداية مبتورا من دون تفاصيل... في السيارة، فتحت المذياع باحثا عن التفاصيل، وإذا باتصال يصلني من البيت يخبروني فيه باصطدام طائرة أخرى بالبناية نفسها، ولأنني كنت متجها إلى مقر عملي في الصحيفة، اتصلت بالقسم الخارجي لمعرفة المزيد من التطورات، وعرفت أن القصة ليست مجرد حادث، بل لها أبعاد أكبر من ذلك».
ويواصل: «كان حالي كحال معظم المتابعين للسياسة، فالمسار التاريخي للعلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وبين «إسرائيل» وعداؤهم للعرب يشير إلى ضرورة أن تكون للعرب يد في هذا الحادث، وتمنيت ألا يكون للعرب دور في هذا الحادث لأنه سيأخذ منحى خطيرا (...) في البداية كانت أصابع الاتهام تشير إلى الجماعات الصربية، ومافيا المخدرات في أميركا الجنوبية حتى ظهرت الحقيقة».
وتعلق نائب رئيس لجنة المرافق العامة والبيئة في مجلس الشورى فوزية الصالح: «ربما لا أذكر بالتحديد ماذا حدث في ذلك اليوم، ولكن ما أذكره عندما قال لي السائق «إن التلفزيون يبث حادثا لطائرة صدمت إحدى البنايات»، فذهبت سريعا وفتحت التلفزيون وعندما شاهدت مشهد اصطدام الطائرة بالبناية، اعتقدت أن هذا المشهد مجرد لعبة من ألعاب (البلاي ستيشن) تبث على التلفزيون فأغلقته، بعدها توالت الاتصالات، فعدت لأفتح التلفزيون مرة أخرى، ومن هول المفاجأة وحال الذهول التي كنت أعيشها في هذه اللحظات لم أكن أسمع حتى الخبر وما يقال من تفاصيل، ولكنني كنت أراقب فقط منظر اختراق الطائرة للبناية وخروجها منها... كان المشهد يتكرر وفي كل مرة». وتواصل: «بعد عدة أيام التقيت بالكاتب الفرنسي أرك لورو في بيت زميلنا بالجامعة عبدالكريم حسن، وقد علق هذا الكاتب على حادث «11 سبتمبر» إنه دليل على عظمة العرب وقال: «للأسف، إن هذا العمل الجبار الذي قام به العرب هو عمل مدمر»، وتوقع أن يقوم العرب بعمل أكثر قوة لصالح البشرية، وجلسنا نفكر».
تسألنا «كيف قامت هذه المجموعة العربية بهذا العمل العبقري؟ وفي رأيي إن اشتراك العرب في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، جعلتهم يمتلكون عقولاً مدمرة وليست عقولاً للبناء، فالعقول البناءة هي تلك العقول التي تقدر العمل الإنساني، ولكنني لا أنسى أبدا مشهد الطائرة وهي تخترق البناية ثم تخرج منها كتلة من لهب من الطرف الآخر، وكأن خيالي توقف عند هذا المشهد».
الكاتب الصحافي قاسم حسين يقول: «كنت في العمل، ونقلت لي الخبر زميلتي، في البداية لم أصدق، وبعد لحظة شعرت بنوع من ارتياح المطعون عندما يرى عدوه قد أصابته شظية من الزجاج». فقلت لنفسي: «لربما هي عقوبة إلهية على جرائم الولايات المتحدة ضد المستضعفين، في مشارق الأرض ومغاربها، فما أكثر جرائم الاميركيين. بعد أقل من ساعة ربما وصل الخبر الآخر؛ ضرب البرج الثاني من مركز التجارة العالمي بنيويورك. هنا تأكدت نظرية «المؤامرة». جاءت زميلتي مرة أخرى وهي أكثر قلقا، وأشارت إلى اتهام القاعدة. استبعدت هذا الاحتمال، لكنها لم تصدقني طبعا، وأصرّت على انها من فعلة القاعدة »!
استشارية الأمراض النفسية في مستشفى الطب النفسي شارلوت كامل، تتحدث عن ذكرياتها عن ذلك اليوم لتقول: «كنت أستعد للذهاب إلى عملي في الفترة المسائية، وفتحت التلفزيون فشاهدت اصطدام طائرة بالبناية، واعتقدت انه فيلما تسجيليا عن الحوادث، أو عن الإرهاب، وتركت التلفزيون لأكمل ارتداء ملابسي، وبعد دقائق عدت مرة أخرى لأشاهد تكرار المشهد نفسه، واكتشفت أن هذه القناة ليست قناة الأفلام ولكنها قناة إخبارية، رفعت صوت التلفزيون وسمعت الخبر، ولكنني اعتقدت انه حادث بسبب زلزال أو كارثة طبيعية وليس مخططا إرهابياً».
كان المخرج البحريني بسام الذوادي خارج البلاد وقتها، لكنه كعشرات الملايين من البشر جلس أمام التلفزيون حتى اليوم الثاني لمعرفة ما حدث في العالم. يقول الذوادي: «يومها كنت في لندن، وكنت أشاهد التلفزيون، في البداية اعتقدت ان هناك ربما حادث تحطم طائرة بسبب خطأ ما، بالتأكيد لم يأت على بالي للحظة ان هناك عملاً ارهابياً، لكن عندما اصطدمت الطائرة الثانية في المبنى بدأت اشعر أن هناك شيئاً اكبر من ان يكون مجرد حادث تحطم طائرة».
ويضيف «بقيت في المنزل اشاهد التلفزيون لليوم الثاني لمتابعة ما يمكن ان يحدث وخصوصا عندما بدأت الأنباء عن ضرب مبنى وزارة الدفاع الاميركية».
التلفزيون وان كان الوسيلة الأكبر حضورا في نقل هذا الحدث لملايين الناس حول العالم الا ان الشبكة الالكترونية ايضا لعبت دورا لا يستهان به في نقل وتغطية حوادث سبتمبر، بل تعداه الامر عندما خصصت شبكة التلفزيون العالمية «سي ان ان» موقعا على الشبكة الالكترونية لتلقي التعازي من مختلف انحاء العالم.
يقول الكاتب الصحافي البحريني عقيل سوار: «كنت أتابع إنجاز عملي على جهاز الحاسوب، وبحكم انني مشترك بخدمة الاخبار على موقع شبكة التلفزة العالمية «سي .ان .ان» فقد لفت نظري البث الاخباري لمشاهد تحطم الطائرة الثانية، فاضطررت للتوقف عن العمل ومتابعة ما يحدث».
ويضيف سوار: «لم اعرف ما كان يحدث فعلاً، كان أمرا يصعب معه التحليل الفوري او القدرة على التنبؤ بما حدث فعلاً».
كان هناك آخرون لم يكونوا امام التلفزيون لمشاهدة ما يجري بل تلقوه عبر الهاتف، هذا ما حدث مع الاقتصادي البحريني ابراهيم شريف الذي كان في طريقه إلى العمل وتلقى مكالمة من احد افراد اسرته ليخبره بما يحدث في الولايات المتحدة.
يقول شريف: «اتصل بي والدي، وابلغني بما حدث في الولايات المتحدة (...) بالتأكيد اصبت بالدهشة ولم اصدق ما يحدث، كنا بحاجة إلى بعض الوقت قبل تصديق الاخبار او الاخذ بها، لذلك سارعت الى جهاز التلفزيون لمشاهدة الحدث بشكل اوضح».
الشاعر علي الشرقاوي، شاهد كغيره من ملايين الناس حوادث سبتمبر بواسطة التلفزيون في منزلة، وأصيب بما أصيبوا به من مشاعر دهشة وصدمة لم تخل من الحيرة والسؤال «لماذا يحدث هذا الذي حدث»؟
يقول الشرقاوي: «إن من يرى الصور في البداية يصاب بالذهول... تحطم الطائرة الثانية جاء بمثابة جرس الانذار لحدوث عمل ارهابي يستهدف ابرياء في الولايات المتحدة الأميركية».
وكذلك الكاتب الصحافي رضي الموسوي الذي شاهد حوادث سبتمبر بواسطة التلفزيون اعتقد في البداية ان هناك طائرة قد ضلت طريقها واصطدمت في المباني عن طريق الخطأ لكن الطائرة الثانية فسرت كل التنبؤات.
يقول الموسوي: «كنت اعتقد أنها طائرة ضلت طريقها واصطدمت بسبب خلل ما في هذا المبنى لكن الطائرة الثانية كانت بداية الحاجة إلى التحليل، فسارعت بالاتصال بالاصدقاء الصحافيين والسياسيين الذين اتفقوا على ان العملية تتم بشكل مبرمج وفقا لخطة معدة بشكل دقيق».
اما رجل الاعمال البحريني عادل المسقطي فلقد نقل اليه الخبر عبر احدى المحطات الاذاعية الدولية التي سارعت هي الأخرى لأخذ مكانها بين وسائل الاعلام المختلفة للوقوف على ما حدث.
يقول المسقطي: «سمعت الأخبار وأنا في طريقي إلى العمل وذلك عبر إحدى المحطات الإذاعية الدولية. فسارعت بالاتصال في منزل عائلتي لاخبارهم بأن هناك أمرا كبيرا يحدث في الولايات المتحدة الأميركية وطلبت منهم أن يشاهدوا التلفزيون وعلى الفور الغيت برنامج عملي في ذلك اليوم وسارعت للذهاب الى المنزل لمشاهدة ما يحدث».
ويزيد «لا أتصور أن هناك احدا استطاع فهم ما يحدث في اللحظات الاولى، كانت صدمة كبيرة. ولم يخطر ببالنا ان احداً من منطقة الشرق الاوسط سوف يكون الفاعل».
تشير ردود محدثنيا بشأن انطباعاتهم الأولى عما حدث في «11 سبتمبر» إلى اختلاط مشاعر الصدمة بالخوف من حادثة بهذا الحجم كانت تحتاج إلى المزيد من الوقت قبل ان يبدأ العقل بالتحليل والتعامل مع التهم التي وجهت بعدها مباشرة.
يقول الذوادي: «أصبت بالخوف من الاحساس بأن الأمر ليس بالشيء العادي، كنت اود معرفة ما حدث فعلاً، ومن هنا بدأت الحاجة للسؤال والتحليل، انها صدمة بكل المقاييس». ويتفق سوار مع الذوادي من حيث مشاعر الخوف التي انتابت الناس وان كانت الكارثة وقعت في قلب البيت الاميركي.
يقول سوار: «كان إحساسي مختلطاً بشيء من الخوف والنقمة... كان خوفي من حجم الحدث عندما شاهدت الصور التي بثتها شبكة التلفزة العالمية، والشعور بالنقمة على من ارتكبوا جريمة بهذا الشكل، لكن ايضا كانت هناك حيرة لا تقل حجما عن الرواية الأميركية التي تدوالتها وقتها وسائل الاعلام الأميركية وخصوصا بشأن عملية ضرب وزارة الدفاع واسقاط طائرة كانت متجهة لتنفيذ عملية اخرى في ولاية بنسلفانيا، هذه الاخبار وضعتنا في حيرة كبيرة من حجم ما يتعرض له بلد متقدم يملك جهازاً دفاعياً يعتبر الاقوى في العالم».
ويستدرك سوار«مازلت غير مقتنع بالرواية السائدة الان، على رغم انني لا ابرر ضلوع تنظيم ارهابي يرتبط بمنظمة اسلامية، لكن لا بد ان عيوناً كانت تراقب وترعى ما حدث بشكل مبرمج وان كان هذا الامر لم يحسم حتى هذه اللحظة».
ويرى شريف ان مشاعر التعاطف كانت قاسما مشتركا تشاطرها الناس على اختلاف جنسياتهم وألوانهم وأديانهم أو اعتباراتهم السياسية.
يقول: «ربما أكثر الأسئلة قوة في ذلك الموقف هو: ما ذنب الابرياء الذين قضوا في هذه الحادثة الاليمة؟ لماذا ادخلوا هؤلاء الناس في الحرب ما بين الولايات المتحدة العدوانية وتنظيم القاعدة العدواني؟ تساءلنا أيضا إذا كنا الآن نتعاطف مع آلامهم اليوم، هل سيتعاطفون مع آلامنا يوما ويدركونها في هذا العالم؟».
في حين يرى الشرقاوي ان ما تعرضت له الولايات المتحدة يوم «11 سبتمبر» يمثل ضربة موجعة للانسانية بوجهها العام من دون النظر إلى الثوابت السياسية ونظرتنا إلى السياسات الأميركية المتعلقة بالقضايا العربية والاسلامية.
يقول الشرقاوي: «أصبت كثيرا على رغم انني كنت مازلت في البداية لا ادرك ما يحدث، كانت ضربة للانسانية بوجه عام على رغم اختلاف وجهات النظر بالنسبة للسياسة الأميركية بشأن القضية الفلسطينية أو الموقف من العراق او افغانستان، الامر يحمل بعدا انسانيا يطغى على التفكير بالثوابت السياسية ومعطياتها».
ويضيف الشرقاوي«حتى هذا اليوم، مازلت غير مقتنع بكل الروايات التي طرحت بشأن ما حدث في ذلك اليوم الاسود في تاريخ العالم، اعتبر أن القضية اكبر من مجرد عملية ينفذها تنظيم مثل القاعدة، لأن الصورة التي نفذت على نحوها العملية اكبر بكثير من ان يزج بها تنظيم القاعدة كغطاء سياسي».
اما المسقطي فلقد استبعد تماما ان يكون المنفذ من المنطقة العربية في بداية الامر بل ذهب بتوقعه الى امكان أن يكون المنفذ احدى المنظمات الأميركية المتطرفة.
يقول المسقطي: «لقد استبعدت تماما ان يكون عربيا او مسلما ما فعل هذا، بل توقعت ان تكون جماعة «مك فاي» التي نفذت بعض الاعمال الارهابية في الولايات المتحدة لأسباب عنصرية (...) للأسف، كان هناك من يشعر بالفرحة اتجاه ما حدث دون ان ينظروا للبعد الانساني والبعد السياسي الذي ترتب على هذه المأساة بعد هذه الحوادث والذي ندفع ثمنه الان من دون ذنب».
الهجمات التي لا تمحوها الأذهان
في أسوأ هجوم على الأراضي الأميركية أطلاقا، توالت سلسلة انفجارات استهدفت مركز التجارة العالمي بنيويورك ووزارتي الدفاع والخارجية الأميركية «البنتاغون» في واشنطن حتى انهار برجا مركز التجارة بعد انفجارهما بقليل واشتعال النيران بهما، تلك المشاهد التي تابعناها بشغف مثير كانت قبل ثلاثة اعوام من الآن.
خلد تاريخ 11 سبتبر/ أيلول من العام 2001 في الذاكرة، وليس التاريخ وحده بل ايضا التوقيت بالساعة والدقيقة والثانية، ففي الساعة 53:4 بتوقيت مكة المكرمة و53:1 بتوقيت غرينيتش دخلت الولايات المتحدة في حال من الفزع والصدمة لم يسبق لهما مثيل.
عدد الضحايا قدر وقتها بعشرات الآلاف، وأستمرت التفاصيل تروى على مدى اعوام كانت الولايات المتحدة الاميركية خلالها تهدد، تتوعد، تنذر، تضرب، سوف تضرب، توشك أن تضرب، وتضرب فعلاً... كل ذلك على وقع 11 سبتمبر، الذكرى التي لا تمحوها الاذهان.
شيكاغو - علي العليوات
لم تكن محمدية غباين الطالبة في إحدى جامعات ولاية ميتشغان الأميركية تعلم بما يخفيه لها القدر يوم 11 سبتمبر/أيلول 2001 وقت وقوع هجمات واشنطن ونيويورك، إذ كانت في إحدى المحاضرات بالجامعة، وفجأة طرق مسامعها صوت ضجة وصياح من الطلاب، فخرجت لتستكشف الأمر، فكان الجميع يشاهدون التلفزيون، وعرفت أن انفجاراً وقع في نيويورك وراح ضحيته المئات، ومباشرة حملوا مسئولية ما حدث على العرب والمسلمين، فوجدت الجو غير مناسب للبقاء في الجامعة كونها الوحيدة المتحجبة فيها، بل وفي الولاية بأكملها.
وتقول غباين: «لما علموا بأني مسلمة شتموني من شدة غضبهم على الذين قاموا بالهجمات، فلذت إلى السيارة لأهرب منهم، واتجهت مباشرة إلى العمل ولم أذهب إلى البيت لاعتقادي بأنهم سيلحقون بي، وبعدها وصلتني الكثير من رسائل التهديد عبر الهاتف النقال، وخوفاً على حياتي قابلت مدير الجامعة لأطلب منه الانسحاب من الجامعة كونها مكاناً غير آمن بالنسبة لي، كما أن الجو كان متوتراً جداً في الولاية. ووافق المدير على ذلك واسترجعت الرسوم الدراسية ورسوم شراء الكتب، وقد كتبت عني الكثير من الصحف، كما أجروا معي مقابلة بعد أسبوع من الحادث، ومقابلة أخرى بعد شهر من ذلك ليتعرفوا على الفرق في التعامل بيني وبين الناس».
محمدية غباين ليست الوحيدة التي تعرضت لمضايقات من الأميركيين بعد حوادث 11 سبتمبر، إذ يتعرض المسلمون في الولايات المتحدة الأميركية لهجمة شرسة غير مسبوقة منذ ذلك التاريخ. ويتجلى ذلك بوضوح من خلال نظرة سريعة في التقارير الصادرة عن أوضاعهم والتي تقدم تصوراً عاماً عن المشكلات والصعوبات التي يمر بها المسلمون في الولايات المتحدة.
ففي تقرير صادر عن مجلس العلاقات الأميركية - الإسلامية (كير) في العام 2003 عن حالات التمييز والاضطهاد ضد العرب والمسلمين في الولايات المتحدة الأميركية، هناك إشارة إلى أن حالات التمييز والاضطهاد ارتفعت بنسبة 15 في المئة مقارنة بالعام 2002. كما يشير أيضاً إلى ثبوت وقوع 602 من حالات الاعتداء، التي تنوعت من التهكم والضرب أو الاعتداء على الممتلكات بالإتلاف والتدمير والتخريب، انتهاءً بالقتل. ناهيك عن مقالات ومقابلات التشهير والتشويه التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون والعرب بشكل شبه يومي في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية. والسؤال الذي يمكن أن يطرح، كيف ينظر الأميركان إلى المرأة المسلمة؟ وهل تغيرت هذه النظرة بعد حوادث 11 سبتمبر؟
تقول روعة غباين: «الأميركان ينظرون إلى المرأة المسلمة دائماً على أنها من الأقلية وليس لها صوت ولا تحترم من أهلها وخصوصاً من الشباب، وهذا ناتج عن سوء فهمٍ منهم، وليست لديهم المعلومات الكافية أو بمعنى آخر ليس لديهم الأشخاص الذين يوفرون لهم المعلومات الكافية عن المسلمين، ولكننا نحاول كمسلمين في شيكاغو وفي أميركا بشكل عام أن نعرفهم بالمسلمين، وبالمرأة المسلمة ودورها في المنزل والعمل».
وتضيف «كامرأة مسلمة أذهب إلى الجامعة وإلى العمل باللباس الإسلامي، وهناك أناس يسألون عن سبب ارتداء الحجاب وغيرها من الأمور التي تخص المسلمين، ومن واجبنا أن نعرفهم ما هو الإسلام».
وعن تأثير هجمات سبتمبر على المسلمين، تقول: «قبل حوادث 11 سبتمبر واجهت بعض النساء المسلمات مضايقات من أناس لا يعرفون ما هو الإسلام ولماذا ترتدي المسلمات الحجاب، ولكن بعدها أصبح هناك اهتمام أكثر من الأميركان بالتعرف على المسلمين، وكانت هذه فرصة للمسلمين لتعريفهم بالإسلام وبالحجاب الإسلامي، ولكن بعضهم لايزالون يتخوفون من التحدث مع المسلمين».
وتروي آمنة مصطفى (التي تعمل في محكمة أميركية) إحدى المشكلات التي واجهتها بعد حوادث 11 سبتمبر: «في العام 2001 توفي والدي وكنت أحاول العودة للوطن لحضور جنازته، وفي المطار لما عرفوا بأني مسلمة فتشوني وعاملوني بطريقة مختلفة واتهموني بتهمة لا علاقة لي بها استغرقت سنة كاملة لأبرئ نفسي منها (...). الضغط كبير على المسلمين، فإذا شاركتَ في مظاهرة على سبيل المثال تكون مراقباً».
وتتابع قائلة: «في الوقت الحاضر النظرة للمرأة المسلمة ليست جيدة بسبب حوادث 11 سبتمبر ونتيجة الأخبار التي تنقلها وسائل الإعلام عن المسلمين، وبشكل عام ينظر الأميركان للمرأة المسلمة التي ترتدي الحجاب على أنها غير متعلمة، أو أنها لا تتكلم الإنجليزية، ومن واجبنا أن نعطيهم المزيد من المعلومات عن ديننا وشخصيتنا، وأن نريهم أن المرأة المسلمة تحترم جميع الديانات وهي كأية امرأة من ديانة أخرى، وأنها تساهم في جميع المجالات سواء في المنزل أو العمل وغيرهما، ونعمل حالياً على تحسين الأحوال وأن نوصل إليهم أننا تأثرنا أيضاً بحوادث سبتمبر».
وتعود محمدية غباين لتقول: «لم أتعرض بعدما حدث يوم 11 سبتمبر لأية مضايقات، وعدت إلى الجامعة في الفصل الدراسي التالي، وحالياً لا أشعر بأني في بلد غريب، إذ أمشي في شوارع شيكاغو بكل حرية، وأمارس حياتي اليومية بشكل طبيعي، فأذهب إلى الجامعة وإلى العمل. عدد كبير من الأميركيين يحبون أن يتعرفوا على سبب ارتدائي الحجاب، أدرّس مادة الرياضيات في الجامعة لطلاب من جنسيات متعددة، وكانوا يسألون عن سبب ارتدائي الحجاب ولكن لم يؤذني أي أحد منهم، وأشعر نفسي في أميركا بأني داعية للإسلام».
وتردف قائلةً: «قبل حوادث 11 سبتمبر لم يكن الأميركان ينتبهون إلى المسلمين كثيرا، ولكن بعد ذلك بدأوا يعيرون اهتماماً أكبر لهم، وبدأوا يتعرفون على هذه الديانة التي يعتقدون أنها دفعت أشخاصاً للقيام بهذه العمليات في نيويورك، وفي الأخير اكتشف بعض الأميركان أن السبب وراء ذلك ليس الديانة بل هو عقلية أشخاص قليلين يعتنقون هذا الدين، وعندما أجروا بحوثاً شخصية للتعرف على الإسلام بشكل أكبر، اكتشفوا أنه دين ممتاز، فكانت دافعاً للكثير منهم لاعتناق الإسلام».
وما يجدر ذكره أنه يقطن في ولاية شيكاغو الأميركية نحو 400 ألف مسلم
العدد 736 - الجمعة 10 سبتمبر 2004م الموافق 25 رجب 1425هـ