وزير التجارة والصناعة الصيني «وانغ جونغفو» يتحدث واصفاً سياسة بلاده بعبارات مختلفة جداً عن رأي مؤسس الصين الشعبية قائد الثورة الشيوعية «ماوتسي تونغ»... فهو يصف اقتصاد بلاده بـ «نظام اقتصاد السوق القومي»، وهي عباراة تختلف جداً عن «نظام الشيوعية القومي» الذي بشر به قائد الثورة الذي دشن ثورة ثقافية استمرت عشر سنوات منذ منتصف الستينات حتى منتصف السبعينات من القرن الماضي.
الثورة الثقافية ليست لها علاقة بالثورة الاقتصادية التي بدأت بعد رحيل ماوتسي تونغ... ولكن آثار الثورة الأولى مازالت موجودة، وهي آثار يزورها السياح كما يستذكرها الصينيون.
إحدى المرشدات الصينيات حاولت شرح السبب في تغير لون صخرة «الماربل» التي تحمل اسم أحد ملوك الصين الذين حكموا قبل ستة قرون عند مدخل قبره من اللون الأبيض إلى لون آخر بالقول إن «هذه الصخرة الماربل كان لونها أبيض ولكن تم صبغها باللون الأحمر أيام الثورة الثقافية»... ولذلك فإنها ليست بيضاء وليست حمراء، بل انها ضائعة بين لونين، بين ثقافتين، بين تاريخين، لم يبقَ من هذه الثقافة أو تلك إلا الذكريات.
«المدينة المحرمة» كان دخولها ممنوعاً على الشعب الصيني، وهناك مدن ومناطق أخرى في كل مكان محجوزة فقط للملوك الصينيين... فكل الخيرات والمناطق الجميلة كانت لملوك الصين الذين حكموا على أساس أنهم «أبناء السماء»، حتى جاءهم «ابن الأرض» ماوتسي تونغ ليُسقط سماءهم على رؤوسهم ويدوس على أرضهم وأجسادهم.
كل هذا وذاك أصبح تاريخاً... الشباب الصيني يقرأ عن التاريخين ولكنه يأكل الآن مأكولات «ماكدونالدز» الأميركية ويلبس أفضل ما يلبسه الرأسماليون الغربيون، ويسوق أفضل السيارات، ويحمل أفضل الهواتف النقالة، ويستخدم أفضل الأجهزة الالكترونية، والشاب الصيني لديه صديقة صينية يمشي معها في الشوارع ويحدثها تماماً كما يمشي الشباب الاميركي مع بعضهم بعضاً ويتحدثون الأحاديث نفسها.
وزير التجارة الصيني لم يذهب بعيداً، ففي كلمته استخدم عبارات رأسمالية أميركية مثل كلمة entrepreneurh هي مصطلح يستخدمه الأميركان كثيراً ليصفوا به الرأسمالي الناجح الذي يعمل على إثراء نفسه وإثراء مؤسسته عبر الاعتماد على الفردية والمبادرة والابداع.
اذن... أين هي الثقافة التي تتحدث عن «الجماعة» أولاً...؟
أوليست الشيوعية تعني ان ينسى الفرد نفسه من أجل مجتمعه؟ ربما هذا الحديث أصبح قديماً في الصين كما هو قديم في غيرها من البلدان. الجديد في الصين يحاول منافسة الجديد في الغرب، ولذلك فإن موسيقى «البوب» الصينية يرتفع صوتها محاولاً الفوز على المنافس الغربي... عروض الأزياء الصينية تسعى إلى منافسة الغرب ايضاً في مجال يبدو غريباً على جيل الآباء الذين عاشوا سنوات الثورة الثقافية يلبسون جميعهم زياً واحداً من دون أي فرق بين مهندس أو استاذ جامعي أو فلاح يحرث الأرض...
الغرب يرى أن الصين «تعود» إلى العالم، والصين تتحدث وكأن العالم يعود إليها... فالصين تعني في لغتهم «مركز العالم» والمركز يجب أن يجتذب إليه الأطراف، وليس العكس...
سواء اختلفنا أم اتفقنا مع اللغة التي يستخدمها المسئولون الصينيون فإن الواقع يقول إن عملاقاً من الشرق قد استيقظ، والجميع يرتب حساباته عندما يكتمل الاستيقاظ قريباً... اقصد الجميع ما عدا أكثرية بلداننا التي نامت ومازالت لم تشبع من النوم
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 734 - الأربعاء 08 سبتمبر 2004م الموافق 23 رجب 1425هـ