العدد 734 - الأربعاء 08 سبتمبر 2004م الموافق 23 رجب 1425هـ

الساعة تدور والمشاركة العربية بين الحماس والخوف

معرض فرانكفورت الدولي للكتاب

تدور عقارب الساعة ويقترب موعد افتتاح أبواب معرض فرانكفورت الدولي للكتاب إذ اختير العالم العربي للمدرة الأولى ليكون ضيف شرف على فعالية هذا العام. ويسود نفوس الكثير من المثقفين العرب حماس وخوف في وقت واحد. فمن جهة يجد هؤلاء حصول العالم العربي على هذه الفرصة التي لن تتكرر قبل نصف قرن ليكشف عن وجهه الثقافي لكنهم من جهة أخرى يخشون أن تتحول المظاهرة الثقافية العربية إلى هزيمة محبطة للعزائم. وكان أحد الكتاب المصريين المعروفين وهو جمال الغيطاني قد نصح بتأجيل المشاركة العربية (تجنبا للفضيحة) على حد قوله.

أما الناشر اللبناني رياض الريس الذي يشارك منذ سنوات بعرض الكتب التي تصدر عن دار النشر التي يملكها، في فعاليات معرض فرانكفورت، فقد عبر عن خوفه من حصول كارثة لأن العرب لا يملكون مقومات المشاركة في أكبر معرض للكتاب في العالم ليس على مستوى الناشرين وليس على المستوى الرسمي وعدم القدرة على حسن التنظيم إضافة إلى حال الضعف التي يشكو منها الفكر العربي.

في نهاية الشهر الماضي تم الكشف في مؤتمر صحافي بمدينة فرانكفورت عن برنامج المشاركة العربية الذي يحتوي على جميع الفعاليات التي يفترض أنها ستعرّف زوار المعرض من ألمانيا وأوروبا وأنحاء العالم على أوجه الثقافة العربية، من كتب وأفلام وعروض مسرحية ومعارض فنية وموسيقى. والملاحظ أنه تم من دون إبداء أسباب خفض مساحة العرض المخصصة للعالم العربي من تسعة آلاف متر مربع إلى أربعة آلاف متر مربع ومع ذلك ستكون هذه المساحة هي الأكبر التي سيشغلها العرب بوصفهم ضيوف شرف منذ أن أقيمت فعالية العام 1976. ستشارك 17 دولة عربية - أي كل الدول ما عدا المغرب والجزائر والكويت والعراق وليبيا - في فعاليات ما يوصف بمظاهرة ثقافية عربية هي الأكبر من نوعها ستقام على أرض أوروبية عندما يفتح معرض فرانكفورت الدولي للكتاب أبوابه في الفترة من 6 إلى 10 أكتوبر/تشرين أول.

وتم توجيه دعوات من قبل اللجنة المنظمة التي تشرف عليها جامعة الدول العربية إلى مجموعة كبيرة من الكتاب والأكاديميين والممثلين العرب حتى من بين دول عربية غير مشاركة. من أبرز المدعوين من الشعراء: أدونيس ومحمود درويش وأحمد عبدالمعطي حجازي وسعدي يوسف وعباس بيضون وعبدالعزيز المقالح وشوقي بزيع ونزيه أبوعفش ومحمد بنيس. ومن الروائيين جمال الغيطاني وإبراهيم أصلان وبهاء طاهر وخيري شلبي وإلياس خوري وحسن داوود وغادة السمان وعالية ممدوح وحنا مينه وسحر خليفة ومحمد براده. إضافة إلى كتاب عرب يعيشون في المهجر أبرزهم الطاهر بن جلون وآسيا جبار وأمين معلوف وأهداف سويف وإبراهيم الكوني ورفيق شامي. كذلك عدد كبير من النقاد والمفكرين والأكاديميين بينهم جابر عصفور وفيصل دراج وبطرس غالي وعبدالغفار مكاوي وسلامة أحمد سلامة وإبراهيم العريس والطيب تيزيني ومن الفنانين يوسف شاهين ومفيدة التلاتي وسميحة أيوب ونضال الأشقر ورتيبة الحفني.

يشير البرنامج إلى أن بطرس بطرس غالي سيفتتح المشاركة العربية بمحاضرة عن موضوع الساعة أي عن الإصلاحات وحقوق الإنسان في العالم العربي، تليه محاضرات وندوات تتناول موضوعات أدبية متخصصة مثل: اتجاهات الشعر العربي المعاصر، والأدب النسائي، والحوار الثقافي العربي الألماني، والإسلام وتحديات العصر، وتحولات المجتمع العربي، والمجتمعات المدنية العربية. ومن الندوات الملفتة للنظر تلك التي تحت عنوان (دور الفرد في عملية الإبداع) والتي سيشارك فيها الكاتب الألماني المعروف غونتر غراس حامل جائزة نوبل للأدب، مع إدوارد الخراط ومحمود درويش وأمين معلوف والطاهر بن جلون الذي سيقرأ مقاطع من كتاباته في جناح مكتبة الإسكندرية بتاريخ التاسع من أكتوبر.

غير أن الجزء الأكبر من القراءات سيشهده المقهى الأدبي وذلك في حلقات تستمر كل واحدة منها ساعتين يقرأ خلالها خمسة كتاب. كما سيحيي شعراء عرب أمسيات شعرية كل ليلة من ليالي المعرض يبدأها أحمد عبدالمعطي حجازي ثم يليه أدونيس ومحمود درويش ويختتمها شاعر العامية الكبير عبدالرحمن الأبنودي. وستصدر بهذه المناسبة نحو 50 ترجمة جديدة بالألمانية ما سيساعد في تحريك عجلة التعاون الثقافي بين دور النشر العربية والغربية لأنه في مثل هذه المناسبة يوجد في فرانكفورت عادة أكبر عدد من ممثلي دور النشر العالمية. يذكر أنه تم قبل وقت غير بعيد تأسيس دار(لسان) في سويسرا التي تعمل في ترجمة أعمال أدبية لكتاب عرب شبان إلى اللغة الألمانية.

إلى جانب القراءات والندوات التي من المنتظر أن يعتمد الحضور في كل منها على إذا كان اسم المشارك معروف عند الألمان أم لا، تتضمن المشاركة العربية عدة معارض فنية منها عن الفنون التشكيلية في العالم العربي، والآثار العربية والإسلامية، والمخطوطات والكتب النادرة، والحرف والصناعات التقليدية، وكذلك معرض عن الكاريكاتير السياسي. كما ستستضيف متاحف عدة في مدينة فرانكفورت الواقعة على نهر ماين معارض متخصصة عن الثقافة العربية، مثل المعرض الذي سيقيمه المهندس المصري حسن فتحي، كما ينظم متحف الأيقونات معرضا عن الأيقونات المسيحية في العالم العربي. وسيكون بوسع زوار معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في الفترة من 8 أكتوبر 2004 حتى نهاية شهر فبراير/ شباط 2005 مشاهدة نصف قرن من السينما العربية في عروض خاصة ينظمها متحف الفيلم الألماني بالتعاون مع معهد العالم العربي في باريس.

يبدو للوهلة الأولى أن برنامج المشاركة العربية حافل وكبير وشامل وفي الوقت نفسه مفاجأة للنقاد الذين يتملكهم الخوف من فشل المشاركة العربية بالنظر إلى العدد الكبير للأصوات التي طلبت تأجيل المشاركة. لكن وقت التراجع أصلح متأخرا وأي قرار بإلغاء المشاركة العربية سيلحق بالعرب هزيمة معنوية في مستوى كارثة. لكن كثيراً من النقاد لديهم حق لأنهم حذروا من وجود مخاطر. يعود السبب لأن البدء بعملية التنظيم تأخر ليس فقط من قبل الجانب العربي بل أيضا من جانب اللجنة المنظمة في معرض فرانكفورت. ويتذكر أحد المفكرين العرب كيف شعر بالحرج حين سألته صحافية سويسرية عن الجديد في إطار استعدادات العرب للمشاركة في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب ولم يكن لديه أية معلومة. وقال هذا المفكر أنه شعر في ذلك الوقت أن المشاركة العربية هي شأن ألماني أكثر مما هي شأن عربي. إذ على رغم انقضاء ثلاث سنوات على اختيار العام 2004 عام العرب في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، لم يشعر أحد بوجود تحركات استعدادية. أما الصفحات الثقافية في الصحف العربية فإنها تكتفي حتى اليوم بنشر أخبار تتعلق بهذه المناسبة نقلا عن وكالات أنباء عالمية وكان من المنتظر أن يفرد لها ملاحق وصفحات تبرز هذه المشاركة التي تأتي في مرحلة حساسة يمر بها العالم العربي لأن الغرب يسعى إلى تحديد علاقته مع دول المنطقة بعد هجوم 11/9/2001 وبعد حرب العراق والنتائج التي خرجت بها ولا تزال لم تتضح صورتها بعد. واضطر مكتب جامعة الدول العربية في برلين إلى دفع مبلغ عشرة آلاف يورو إلى مجلة «الوسط» التي تصدر عن صحيفة «الحياة» بمدينة لندن لنشر تحقيق دعائي يبرز فيه دور الجامعة في إقامة هذه الفعالية.

أما على الصعيد الثقافي فقد حصل تأخر في إبلاغ الأدباء والمفكرين والشعراء والفنانين بدعوتهم للذهاب إلى فرانكفورت. كما لو بودر منذ سنوات لترجمة أعمال أدبية عربية لحضر العرب إلى فرانكفورت ومعهم مجموعة كبيرة من الكتب المترجمة ليسهل الحوار المنشود مع دور النشر العالمية وزوار المعرض. كذلك فإن المبلغ الذي رصد في البداية لتمويل المشروع وكانت قيمته ثلاثة ملايين دولار وكان لبنان أول من سدد حصته وقيمتها 30 ألف دولار. وكان تواضع المبلغ علامة واضحة على ضعف الحماس العربي لتنفيذ مشروع لم يأخذه كثيرون على محمل الجد. لهذا نشأت مشاعر تترنح بين الأمل بتحقيق اعتبار متواضع أو الفشل وإذا حصل ما يخشاه كثير من العرب فإنه لن يكون غريبا على الرأي العام الغربي إذ ان الصورة السائدة لديه عن البيت العربي أنه متعدد الغرف ولا أحد يتفق مع الآخر على رغم أنهم جميعا يعيشون تحت سقف واحد ويجمع بينهم الدين واللغة والمصير المشترك





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً