أظهر الاستطلاع الأخير في الولايات المتحدة تقدم الرئيس جورج بوش على منافسه الديمقراطي جون كيري بـ 11 نقطة في حال جرت الانتخابات الرئاسية اليوم. الفارق بين المتنافسين يكشف عن وجود خلل عام في التوازن بين الحزبين الجمهوري (52 في المئة من الأصوات) والديمقراطي (41 في المئة) وهناك 7 في المئة من الأصوات حائرة (ضائعة) بين الطرفين أو المرشح المستقل رالف نادر. حتى لو انسحب نادر لمصلحة الديمقراطي فإن احتمال فوز بوش يبقى المرجح في حال استمر كيري على وضعه المتردد في وقت يواصل بوش هجومه الكاسح على خصومه طارحاً نفسه «المنقذ» الوحيد للمخاطر الأمنية التي تتهدد الولايات المتحدة من جهات مجهولة وغير معلومة العناوين والأسماء.
لعب بوش على وتر التخويف وإثارة مخاوف الجمهور الانتخابي مستفيداً من حماقات قامت بها مجموعات مجهولة الأصل والفصل والمصدر في العراق وروسيا أدت إلى زعزعة التحالف المضاد للغزو الأميركي لبلاد الرافدين.
بدأ الحزب الجمهوري مؤتمره العام في نيويورك وسط صيحات المعارضة لترشيحه ونزول مظاهرات ضخمة في شوارع المدينة تعترض على سياسته وتطالب بطرده من البيت الأبيض لأنه جر ويلات اقتصادية على أميركا باسم مكافحة «الإرهاب» وتمويل حروبه النفطية الخاصة. كان الفارق لحظة انعقاد المؤتمر دورته نقطة واحدة لمصلحة كيري، وانتهى المؤتمر بخروج بوش منتصراً ومرشحاً وحيداً مع غالبية انتخابية ساحقة.
خلال فترة انعقاد الحزب الجمهوري مؤتمره لاختيار بوش كمرشح وحيد للرئاسة المقبلة حصلت سلسلة حوادث عززت كلها نظرية أولوية الأمن واعطت شرعية لكل حروب أميركا في السنوات الأربع الأخيرة. أول تلك الحماقات عملية خطف الصحافيين الفرنسيين التي استنفرت كل القوى ودفعت الرئيس جاك شيراك للتذرع بها وعقد مصالحة مؤقتة مع الرئيس الأميركي انتهت بصفقة ثنائية عبرت عن نفسها بالقرار 1559 الذي تعرض للرئاسة اللبنانية والوجود السوري. ثاني تلك الحماقات قطع رأس 12 نيبالياً انتهت إلى إثارة غضب الغالبية البوذية - الهندوسية وهجوم الجماهير الهائجة على أحياء ومدارس ومساجد المسلمين في كاتماندو وحرق المخطوطات ونسخ من القرآن الكريم ومنع المسلمين من الصلاة يوم الجمعة وتدمير جامع قديم يعود تاريخه إلى 450 سنة.
وثالث تلك الحماقات هي هجوم مجموعة مسلحة على مدرسة أطفال في اوسيتيا الشمالية (جنوب روسيا) والتسبب في مقتل 460 من المحتجزين الأمر الذي آثار غضب العالم ضد المسلمين واستغلال بوش المأساة لتأكيد وجهة نظره بشأن حربه ضد العالم الإسلامي. ولم يقتصر استغلال المأساة على أميركا بل حاولت حكومة ارييل شارون الاستفادة منها بالغمز من قناة المقاومة الفلسطينية ومحاولة الربط بين ما يحدث في روسيا وما يحدث في فلسطين. وهذا النوع من الربط الكاذب شجعه وزير الدفاع الروسي حين حاول القول إن من فعل ذلك له صلة أو ليس بعيداً عن تلك المجموعة التي قامت بعملية بئر السبع.
كل هذا حصل خلال فترة انعقاد الحزب الجمهوري دورته في نيويورك لاختيار بوش كمنافس لمرشح الحزب الديمقراطي. وما حصل من حماقات وجرائم بشعة كانت كافية وأكثر مما طلبه بوش وتمناه لتأكيد نظرية التآمر على الولايات المتحدة وغيرها من دول معارضة للسياسة الأميركية في العراق وفلسطين. فكل هذه الأعمال المختلفة والمشبوهة صبت الزيت على نار الاحقاد والكراهية العنصرية التي كانت آلة الحزب الجمهوري تؤججها ضد العرب والمسلمين، واعطت مفعولها وأكدت أولوية «الأمن» على الاقتصاد وغلبة «الحرب» على السلم.
كل الأرقام والمعادلات تشير إلى أن أداء بوش الاقتصادي هو الأسوأ في تاريخ أميركا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. فإدارته تسلمت الحكم من بيل كلينتون في وقت وصل الاقتصاد إلى أفضل حالاته إذ بلغ الفائض في الموازنة حوالي 260 مليار دولار بينما تبلغ الديون المتراكمة الآن أكثر من 500 مليار دولار. مع ذلك نجح بوش في المناورة وتزوير الحقائق واقناع الناخب بأنه المرشح الأفضل أمام منافس متردد وغير واضح في استراتيجيته ويسيطر عليه الغموض في مواجهة ما يسميه الحرب الدولية على «الإرهاب».
أمام كيري 60 يوماً لقلب المعادلة وتغيير قناعات الرأي العام وحتى يصل إلى درجة المنافس الحقيقي لابد له من الهجوم على سياسة أميركية خارجية قوضت الكثير من المفاهيم. والهجوم يحتاج إلى قائد سياسي من طراز مختلف يستفيد من الكوارث الاقتصادية التي جلبها بوش للولايات المتحدة. ويبدو من ظاهر الأشياء أن كيري ليس من هذا النوع من القيادات
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 733 - الثلثاء 07 سبتمبر 2004م الموافق 22 رجب 1425هـ