العدد 731 - الأحد 05 سبتمبر 2004م الموافق 20 رجب 1425هـ

الجمهور الألماني المحبط يكافئ السياسيين بالبيض

هل فشلت الوحدة الألمانية؟

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

أصبحت مدن ألمانيا الشرقية السابقة خطرة على السياسيين الألمان الذين يعبرون من الشطر الغربي. وقد عادت إلى شوارع مدينة لايبسيغ مسيرات الاحتجاج مساء كل يوم اثنين عملا بالتقليد الذي جرى في العام 1989 وأدى إلى انهيار نظام برلين الشرقية وسقوط الجدار واستعادة ألمانيا وحدتها.

لكن مسيرات يوم الاثنين التي تجرى الآن في أكثر من 150 مدينة ألمانية في شطري البلاد احتجاجا على إصلاح سوق العمل، من شأنها أيضا أن تودي بحكومة شرودر. ذلك أن هناك شعوراً بأن الألمان الشرقيين بالذات في حال عصيان ولا أحد يعرف كيف سيعبر هؤلاء عن غضبهم تجاه القانون الجديد لسوق العمل الذي يحمل اسم «هارتز أربعة»، نسبة إلى «بيتر هارتز» الذي وضع صيغة القانون. وهو رجل أعمال من الشطر الغربي، حين تجرى في القريب انتخابات في عدد من الولايات وتبدأ بانتخابات ولاية براندنبورغ إذ يتوقع المراقبون فوزاً كبيراً لحزب الاشتراكية الديمقراطية، خليفة الحزب الشيوعي في ألمانيا الشرقية السابقة. وعلى الأرجح أيضا أحزاب يمينية متطرفة.

البيض لشرودر!

وتنتشر في مدن وقرى الشطر الشرقي ملصقات تطالب الناخبين أن يعبروا عن احتجاجهم على إصلاحات سوق العمل التي يشعر المواطنون في شطري البلاد أنها تشكل خطراً حقيقياً على مستقبلهم وتدفع بهم إلى الفقر. وحين زار المستشار شرودر إحدى مدن الشطر الشرقي قبل أسبوع حصل بنفسه على صورة للواقع حين رشق بالبيض.

وحين وقفت ، زعيمة الاتحاد المسيحي الديمقراطي أنجيلا ميركل، التي تنحدر من الشطر الشرقي في مهرجان خطابي بولاية براندنبورغ الثلثاء الماضي، اضطر الحرس الشخصي لحمايتها من البيض الطائر حين راحت تلقي كلمتها وسط صفير الاستهجان. وأصبحت مناطق الشطر الشرقي مناطق حمراء بالنسبة للسياسيين من الشطر الغربي ذلك أن الهوة بين الألمان الشرقيين والقيادة السياسية في برلين لم تكن بالمستوى الخطير الذي بلغته في الأيام الأخيرة، والذي تعبر عنه مسيرات يوم الاثنين.

إضافة إلى قلق شرودر زاد خصمه، الرئيس السابق للحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم أوسكار لافونتين، الأمور سوءا حين تحدث أمام المتظاهرين في لايبسيغ وصب جام غضبه على الحكومة الاتحادية متهماً إياها بتجاهل مصالح المواطنين العاديين إذ الغني يزداد غنى والفقير يزداد فقراً. في البداية استقبل الناس لافونتين بالنفير ورشقه أحد الأشخاص ببيضة لامست سترته لكن غالبية المتظاهرين راحوا يستمعون إليه وصفقوا له كلما تهجم على خصمه شرودر. وكرر الدعوة لاستقالة المستشار من منصبه.

هذا هو الحال في ألمانيا منذ أن أقرت الحكومة قانون إصلاح سوق العمل إذ يوجد ما يزيد على أربعة ملايين عاطل عن العمل في ألمانيا غالبيتهم في الشطر الشرقي، الذي مازال «البيت الفقير» في ألمانيا. والشعب في الشطر الشرقي ضد شرودر الذي أعلن في الماضي أن إعادة تعمير الشطر الشرقي من أبرز مهام عمله. وساعد الألمان الشرقيون شرودر مرتين في الفوز بمنصب المستشارية، الأولى في العام 1998 حين ساعدوا في وضع نهاية للعهد الطويل للمستشار السابق هيلموت كول، وفي المرة الثانية في العام 2002 حين عبروا عن احتجاجهم على حرب العراق. ويعلم شرودر أن أمامه عامين قبل موعد الانتخابات التشريعية العامة المقبلة، وتبدو الأمور ليست في صالحه.

بيضة لهيلموت كول أيضاً!

وفي تقريره إلى قيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم عبر هانز مونترفيرينغ رئيس الحزب عما وصفه بالقلق الشديد لما عايشه من تجارب، حين شارك في الحملة الانتخابية بولاية براندنبورغ. وذكرته الصحف الألمانية بما سبق وصرح به حين رشق المستشار السابق كول ببيضة في مدينة هاله بالشطر الشرقي العام 1991، وقال مونترفيرينغ يومها: «هذه البيضة أصابت كول عقابا له لأنه نكث بوعوده التي قطعها للألمان الشرقيين حين قال إنه سيحول بلدهم إلى أرض مزدهرة في مدة عامين. الآن يتعين على القادة الاشتراكيين وكذلك قادة الاتحاد المسيحي المعارض أن يتلقوا العقاب بسلاح البيض نتيجة الغضب الذي يتملك الألمان الشرقيين.

لكن هناك من يستفيد من هذا الغضب الذي تسبب به قانون إصلاح سوق العمل. لم يشعر حزب الاشتراكية الديمقراطية اليساري والأحزاب اليمينية المتطرفة بأن هناك فرصة مواتية لدخول برلمانات ولايات الشطر الشرقي مثل الفترة الحالية. وبحكم المحللين والمعلقين فإن حال الغضب المنتشرة بصورة خاصة بين العاطلين عن العمل والمتقاعدين في الشطر الشرقي تقود إلى انقسام جديد بين الألمان الشرقيين والغربيين.

وليس المستشار شرودر فقط لاحظ هذا الخطر الذي يهدد المجتمع الألماني ويشير إلى الصعوبات الفائقة التي تواجه عملية توحيد ألمانيا، بل يشاركه بالرأي أيضا رئيس البرلمان الاتحادي فولفغانغ تيرزي، الذي ينحدر من الشطر الشرقي، إذ قال إن هذا الوضع يقود إلى فشل الوحدة. فبعد مرور خمسة عشر عاما على سقوط جدار برلين يبدو أن هناك الكثير من الألمان الشرقيين يجدون صعوبة في قبول التغيير الذي أدى لزوال جمهوريتهم السابقة، وهذا ينطبق على الأكثر على المتقاعدين والعاطلين عن العمل ومؤيدي حزب الاشتراكية الديمقراطية. ودلت نتائج عملية استطلاع للرأي جرت في الشطر الشرقي أن كل ثاني ألماني شرقي يعتقد أن الديمقراطي أفضل اشكال النظام السياسي، ما يعني أن نصف الذين شاركوا في عملية الاستطلاع يناهضون الديمقراطية.

في حين جرت عملية استطلاع مماثلة في الشطر الغربي دلت على أن نسبة 80 في المئة من الألمان الغربيين يحبذون النظام الديمقراطي. وهكذا تكون عملية توحيد ألمانيا بلغت مرحلة حرجة إذ تم صرف ما يزيد عن ألف مليار يورو على إعادة تعمير الشطر الشرقي ولا تبدو النتائج جيدة.

وتزداد حال اليأس في صفوف الألمان الغربيين الذين لا يشعرون فقط أن الوحدة تمت على حسابهم إذ كانت ألمانيا الغربية دولة رفاه نموذجية في العالم، وبسبب أعباء الوحدة فرضت على الألمان الغربيين ضريبة التضامن مع الشطر الشرقي التي ما زالت مفروضة حتى اليوم. ويقول الألمان الشرقيون علناً إن الكبار في برلين يضمنون لأنفسهم الثراء وينسون الصغار في الشطر الشرقي. والملفت للنظر وجود متظاهرين من كل الأعمار ومن مختلف فئات المجتمع.

انتقاد تبني الطفلة الروسية

وحين تغلق مكاتب الاقتراع في ولايتي براندنبورغ وساكسن أبوابها بتاريخ التاسع عشر من سبتمبر/ أيلول الحالي قد يحصل ما يخشاه السياسيون في برلين بأن يفوز حزب الاشتراكية الديمقراطية والأحزاب اليمينية المتطرفة وينتهي الأمر بالأحزاب الديمقراطية التي دخلت الشطر الشرقي فقط بعد انهيار النظام السابق، في صف المعارضة. وكعادتهم يستخدم المتطرفون الألمان شعارات مثل وظائف العمل في ألمانيا للألمان، لكنهم يستخدمون الحياة الشخصية للمستشار شرودر حين قال أحدهم شاكياً عن الدافع وراء لجوء المستشار وزوجته لتبني طفلة روسية، وقال: «أليس هناك أطفال ألمان يستحقون التربية في بيت المستشار»؟

مثل هذه الآراء والحلول السهلة لمشكلات صعبة التي تصدر عن المتطرفين الألمان تجد آذاناً صاغية ورواجاً عند المواطنين الغاضبين. ويعتقد الاشتراكيون أن هناك ما يشبه تحالفاً غير علني بين حزب الاشتراكية الديمقراطية والأحزاب اليمينية المتطرفة: اتحاد الشعب الألماني الذي يتزعمه الناشر غيرهارد فراي من ولاية بافاريا والحزب الجمهوري والحزب القومي الألماني (أن بي دي). وفي حال نجاح الأخير بدخول برلمان ولاية محلية سوف يحدث هزة سياسية موجعة للألمان شبيهة بفوز هذا الحزب في العام 1968 بدخول برلمان ولاية بادن فورتمبيرغ في ألمانيا الغربية، ما أساء لسمعة ألمانيا ودفع دول الجوار للقول إن الألمان لم ينسوا هتلر بعد.

وأمام الشيوعيين والمتطرفين اليمينيين فرصة قوية للاستفادة من نقمة الناخبين لأن الحنين إلى نظام ألمانيا الشرقية السابق أقوى من الديمقراطية التي يحمّلها الخاسرون في عملية الوحدة مسئولية المشكلات التي نشأت داخل المجتمع الألماني الشرقي

العدد 731 - الأحد 05 سبتمبر 2004م الموافق 20 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً