لقد مضى أكثر من أسبوعين على حادث الاثنين الأسود أو الأبيض أو الأخضر من انقطاع الكهرباء، ونوابنا الأفاضل إلى الآن لم ينتهوا من نقاشاتهم للجلسة الاستثنائية للتحقيق. لا أعلم إلى متى سيبقى تعاطي بعض النواب مع القضايا الكبرى بدم بارد؟ بعد كارثة الاثنين قمت بكتابة عدة مقالات صريحة وواضحة إلى كل من وزير الكهرباء وإلى وكيل الوزارة ومن ثم إلى الوكيل المساعد نواف. ولأني كاتب أحترم لغة العصر التي تحترم الأرقام والوثائق فقد طالبت الوزارة بمسئوليها بالإجابة على أسئلتي بلغة الأرقام... وإلى الآن لم أرَ رقماً واحداً.
يوم أمس قرأت تصريحاً لوزير الكهرباء لكني لم أرَ فيه ولا إجابة واحدة عن الأسئلة المطروحة. كانت الإجابة إجابة إنشائية، وقد جاء فيها: «إننا لن نسمح بأي تجاوز أو تستر أو تنصل من المسئولية، وإننا وبكل تأكيد لن نسمح لأنفسنا بأن ننجرّ وراء بعض الأفكار الهدامة أو نستجيب للنعيق المتصاعد أو الأطروحات السوداء»، ووصف هؤلاء (أصحاب الأطروحات السوداء) بأنهم «يحاولون جاهدين بل مستميتين استغلال الحادث لبث سموم الطائفية البغيضة لكتابات لم يفلحوا معها في إخفاء أصوات ذلك الفحيح الآخذ في التصاعد من قبل من يحملون رايات الطائفية، والمذهبية والتفرقة العرقية»، وأضاف «ويتسترون وراء شعارات يطلقونها لذر الرماد في العيون من منطق ادعاءاتهم بالحرص على الوطن، فيما هم يؤججون النفوس، ويجذرون روح الفرقة، ويغتالون اللحمة الوطنية لهذه البلاد وشعبها الواحد المتحابّ». وتكلم الوزير عن «الخطب العصماء وو...». خطاب طويل جداً لكن الوزير ختمه بشكر راح يقدمه للمواطنين قائلاً: «كما نتوجه بالشكر والامتنان إلى جميع المواطنين الكرام من الطائفتين الكريمتين ممن تجشموا عناء إرسال برقيات ورسائل الدعم والمؤازرة وممن قاموا بالاتصال بالوزارة للتعبير عن تفهمهم لما جرى و...».
هنا عندي تعليق أحب أن أطرحه على الوزير، نحن نقدر ما تعيشه الوزارة من إحراج وما تعيشه من ظروف صعبة ونشكرك على هذا، وأضع يدي في يدك لأقول: فعلاً البلاد تحتاج إلى محاربة من يبثون سموم الطائفية البغيضة التي كان لها دور كبير في تطفيش الكفاءات وفي تفريق المواطنين حتى انعكس ذلك على واقعنا. من المهم - يا سعادة الوزير - أن نضع النقاط على الحروف، إذ إن هذا البلد لن تقوم له قائمة إذا سُمح لأي مثقف أو مسئول أو كاتب بحمل رايات الطائفية والمذهبية شعاراً وخصوصاً أولئك المسئولين الذين يعملون جاهدين للتستر على أخطائهم بذر الرماد في العيون تحت لافتات وطنية يتسترون ويتمترسون بها، ويدعون الدفاع عن الوطن. أناصرك القول إن هؤلاء (من مثقفين وكتاب وكاتبات ومسئولين) هم وراء ضرب اللحمة الوطنية، فهم يحملون قبح الأخطاء ويدوسون يومياً بطون العمال والفقراء والمكلومين بحجة الانتماء الفئوي.
يا سعادة الوزير، لا أريد أن ألقي الكلمات على عواهنها فيحسب الناس أننا نلقي التهم جزافاً. دعنا من كل ذلك، ما رأيك بأن نجلس على طاولة واحدة أمام التلفزيون وبالبث المباشر لنضع النقاط على الحروف ونسمي الأسماء بمسمياتها وبلغة الأرقام والوثائق، لنظهر للناس حقيقة ما يجري تحت الرماد، فنحقق الحلم المشترك بالحفاظ على الوحدة الوطنية ونضرب بذلك كل متآمر على الوطن يسبب الفرقة، ما رأيك في العرض؟ لاشك أن ذلك سيُكثر من إرسال «رسائل الدعم والمؤازرة» لنا ولكم وللوزارة، تماماً كما حصل يوم الاثنين. فرسائل الشكر من المواطنين بشتى أطيافهم وصلت إلى الوزارة لتشكرها على هذا الحادث الكبير، وقد بان ذلك على وجوه الناس، إذ تكدسوا متزاحمين لإيصال دعمهم وشكرهم إلى المسئولين في الوزارة.
سعادة الوزير، لقد كانت الأوصاف الموجودة في خطابك في غاية الأهمية، وأنا هنا - كمواطن أدعي شرف الوطنية - أشكرك على هذه الأوصاف وأقدم لك الدعم. ولكن هنا نقطة مهمة لم تطرح وأعتقد أنها يجب أن تكتب: إذا كان النقد والمساءلة الصريحة بلا مجاملات وبلا تدبيج وبلا بخور يحرق أمام أية مؤسسة كانت تنزع لباس الوطنية عن أصحابها فإن ذلك يعني أن الوطنيين قليلون في هذا الزمان. الوطنية تعني أن نحارب الفساد لأن الوجه الآخر لذهاب الوطنية هو التستر على المفسد. الوطنية تعني أن ننقل الحقيقة بإنصاف. الوطنية تعني أن نحافظ على المال العام وخصوصاً حين نرى أحزمة الجوع تلف القرى والمدن.
بعد مجيء المشروع الإصلاحي ليس هنالك مجال للقبول بالأخطاء، وأعتقد أنه انتهى ذلك الزمن الذي يُقبل فيه التهميش أو التمييز أو الفساد، فيجب أن يوثق ذلك ولن يعبأ الإنسان الحر حين يُتهم أو تُلقى عليه أوزار الأخطاء. لهذا - سعادة الوزير - أضع يدي في يدك، ولاشك أنك تعلم أن للعدالة وجهاً آخر. وإني لا أعلم - يا سعادة الوزير - من الذين أرسلوا برقيات الدعم، وكم عددهم؟ ولا أعلم إن كان منهم المتضررون من المواطنين ممن تُلِفت حاجاتهم يوم الاثنين من تجار ورجال أعمال ومرضى ومواطنين. فعلاً، الوزارة تستحق الشكر والدعم وخصوصاً بعد خسران ملايين الدنانير في لحظة واحدة كما ذكرت صحيفة «الحياة». وعلى رغم ذلك لم نرَ اعتذاراً واحداً، بل رأينا كيف يلقي المسئولون في «ألبا» والوزارة التهم على بعضهم.
هل تعلم - سعادة الوزير - أني مررت صباح أمس في الساعة العاشرة على جدحفص فكانت إشارتا المرور في جدحفص والسنابس معطلتين معاً، فقد انقطع عنهما التيار الكهربائي. ماذا لو وقع حادث ذهبت فيه أرواح؟ وقبل 5 أيام تقريباً كانت إشارة مرور الجسر المؤدي إلى الجسرة معطلة أيضاً، ماذا لو زُهقت الأرواح؟ من الذي سيدفع الثمن؟ وهل تجدي بعد ذلك برقيات التعزية؟
سعادة الوزير، لقد قدمت إليكم عشرات الأسئلة الواضحة والصريحة فلم أرَ إجابة واحدة، ولم أرَ رقماً واحداً. الإجابات في المطلق لا يمكن أن تخدم الحقيقة، فالحقيقة بنت الأرقام والوثائق، إذ أعرب سمو رئيس الوزراء عن «شكره لكل من ينبّه إلى أوجه القصور»، وقال: «نحن نوجّه الجميع وخصوصاً وزارات الخدمات لمتابعة قضايا المواطنين والاهتمام بشئونهم»، وأكد «أن ما تثيره الصحافة من قضايا وهموم تمس المواطنين تجد اهتماماً خاصاً من لدن سموه والحكومة من أجل حلها»، (تاريخ النشر 8 أغسطس/ آب الماضي). لهذا، تمنيت من وزارتكم أن تجيب بالأرقام، ولكنها صمتت كما صمتت بالأمس إدارة الاوقاف الجعفرية فلم تجب بشيء. ما أريده أن تجيبوا على أسئلتي واحداً واحداً، وأنا في انتظار الإجابة، وأتمنى ألا تكون الإجابة إجابة إنشائية.
يا سعادة الوزير، دعنا من كل ذلك، أتمنى منكم أن تنشروا في الصحافة تقرير لجنة التطوير والرقابة الإدارية والمالية، التي شُكلت بأمر من جلالة الملك في أغسطس 2002. فهل الدعوة إلى نشر التقرير تخدش أيضاً في وطنية السائل أو المطالب؟ أسئلتي - يا سعادة الوزير - محددة وواضحة ومؤرخة بتواريخ أريد إجابة عليها، وثق أن ما طرحته من مقالات عن وزارة الكهرباء لا يتعدى عُشر ما طرحته عن إدارة الأوقاف الجعفرية، هناك سُلخت شيعيتي وهنا سُلخت وطنيتي، ولاشك عندما أقوم بفتح ملفات قادمة عن ديوان الخدمة المدنية أو الصحة أو البلديات فقد تُسلخ إنسانيتي. لا يهم ذلك، فلقد تعلمنا أن تُلقى علينا الحجارة من كل مكان حتى من أقرب المقربين، لأن الحقيقة مُرّة وخصوصاً في زمن تعوّد أكثر الناس من مؤسسات ومجتمع على المجاملات وعدم تقبُّل وضع النقاط على الحروف.
لسنا محتاجين إلى صكوك غفران أو شهادة حسن سير وسلوك من أحد، بالأمس وزارة الصحة صرخت من النقد، ولكن في النهاية تم تثبيت الأطباء، وبالأمس أيضاً قالت وزارة التربية الكلام ذاته، وراح بعض الكتاب يلقي القمامة كل صباح على الهيئة الوطنية لدعم العاطلين وعلينا في الصحافة، وها هو سمو رئيس الوزراء يقوم بموقف كريم، إذ دعا إلى توظيف 650 مواطناً في التربية. هنا - يا سعادة الوزير - ينتصر الوطن، عندما نرسِّخ مبدأ تكافؤ الفرص. أتمنى ألا نشهد انقطاعاً للكهرباء، وأن تأخذ الكهرباء ملاحظات الصحافة والمسئولين في الاعتبار، فالألم كبير والجرح غائر. وبعد ذلك نقول: متى تتم الإجابة عن الأسئلة؟ نتمنى تَمام النِّعم وانتصار الديمقراطية... شكراً
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 731 - الأحد 05 سبتمبر 2004م الموافق 20 رجب 1425هـ