كان من المتوقع أن يصل الوضع السياسي- الاجتماعي إلى ما وصل إليه من ركود، بعد أن فُتح الباب لتأسيس كل أنواع الجمعيات، من النوع الجاد المهتم بمستقبل الأجيال والمنخرط في صلب العمل السياسي، إلى النوع الذي يهتم بتربية الحيوانات الداجنة والرأفة بالكلاب الضالة في الطرقات.
المدّ كان جارفاً، والاندفاعة كانت كبيرة، لتشكيل الجمعيات، بعد طول حرمان، وبعد أن كانت كلمة «تنظيم» تصيب الكثيرين رسميين وأهليين وحتى بعض المتدينين، بالحساسية المفرطة وجحوظ العينين، وكأن التنظيم رجسٌ من عمل الشيطان. ومن الطبيعي أن تنتهي الموجة إلى التلاشي عند الشاطئ، وهكذا تنتهي الكثير من الجمعيات «المفتعلة» إلى التبخر والذوبان، ولا يصح غير الصحيح.
مع ذلك، ليس موضوعنا ما تعانيه بعض الجمعيات من «ضمور» جماهيري سينتهي بها إلى الإغلاق و«كسر الفاتحة» على روحها، وانما موضوعنا ما تعانيه جمعيات أخرى من «تضخم» جماهيري، وفي مقدمتها «الوفاق». كثيراً ما أفكر في هذه المسألة، وأقارن بين واقعين: واقع الصناديق والجمعيات الخيرية، إذ المؤسسات التي كانت ولاتزال تعمل في الميدان الاجتماعي التطوعي، ولا تدفع لمنتسبيها فلساً واحداً غير الوعد بثواب الآخرة، واستطاعت تحقيق الكثير على أرض الواقع بما ينفع الناس والمجتمع، على رغم كل المعوقات والصعوبات في عصر تراجعت فيه القيم الجماعية لصالح الأنانيات والقيم الفردية.
هذا الواقع يقابله واقعٌ آخر: العمل الجماعي، أو هكذا يبدو، في نطاق الجمعيات السياسية، إذ تنتظم فيه مجاميع كبيرة من الشباب الذي يحمل الكثير من الشحنات النشطة، التي ينتظر تفريغها في مسارب تخدم الناس. ولأن الوضع السياسي يعاني من الركود المقصود، ويُراد له أن يبقى هكذا إلى أمدٍ طويل في هذا البلد، فيتمنى المرء لو يتحول جزء من هذه الطاقات والكفاءات الكبيرة نحو العمل التطوعي في الصناديق الخيرية، التي تعاني من ضعف الإقبال على العمل فيها، وبالذات من جيل الشباب، إذ أكثر العاملين في هذا المجال هم من كبار السن، أو من متوسطي العمر من الجيل الثلاثيني والأربعيني. وهو قطاعٌ مهما كان عطاؤه فانه بحاجة إلى ضخ دماء شبابية جديدة، ترفده وتؤازره وتقويه.
الميدان السياسي يعاني من ركودٍ مفتعل، يقصد به إشاعة جوٍ من اليأس، وسيتواصل هذا الركود طويلاً حتى يأذن الله بانفراجة من وراء الغيوم، أفلا يكون من الصحيح أن تتبرع «الوفاق» مثلاً ببعض كفاءاتها الشابة المجمّدة حالياً لصالح العمل الخيري في البلاد؟
اقتراح لو استجابت له إدارة الوفاق لأطربت الأخوان العاملين في الصناديق الخيرية، ولأفادت خيراً كثيراً
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 728 - الخميس 02 سبتمبر 2004م الموافق 17 رجب 1425هـ