«العثور على مركبة فضائية تعود الى العام 1908»، الخبر في حد ذاته مثير للكثير من الأسئلة التي تتصل بشكل مباشر بطبيعة الانتاج العلمي في العالم، فإذا كانت المركبات الفضائية التي نعرفها الآن توصل الى اختراعها الإنسان في النصف الثاني من خمسينات القرن الماضي، فإن المركبة التي نشرت «الشرق الأوسط» تقريرا عنها، أخيراً صنعت في مطلع القرن الماضي، وربما يكون الجيل الأول فيها قد صنع في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، إذ لا يمكن ان تكون أول جيل عرفها صانعها، لأنها مثلها مثل الكثير من المسائل العلمية تخضع لقاعدة التدرج في الاكتشاف والتطوير.
المركبة وكما تحدث عنها التقرير خصصت لأمر معين وهو تدمير مذنب، أو هكذا استنتج العلماء الروس الذين عكفوا لسنوات على دراسة حطام المركبة ونيزك تونغوسكا في سيبيريا والذي هو احدى بقايا المذنب الذي دمرته المركبة غير البشرية التي اكتشفت.
إن احتمال وجود عوالم أخرى غير العالم الذي نعيش فيه ليس مستبعدا، واذا سلمنا جدلا بأن المركبة المذكورة تحطمت على الأرض في العام 1908، فإن الذين صنعوا هذه المركبة وأرسلوها إلى الفضاء الخارجي سبقوا سكان الأرض علميا بأكثر من قرن من الزمن، لأن المركبات الفضائية الارضية لاتزال في طورها الاول، اذا جازت لنا العبارة، فالانسان مازال يبحث في المحيط القريب من الأرض ولم يستطع حتى الآن إرسال بعثات بشرية الى كواكب غير القمر، ومازال في طور الاستكشاف عن بعد للكواكب، ولهذا فإن الذي استطاع قطع المسافة الهائلة من أجل الوصول الى أرض او محيطها من كوكب آخر، فهو قد قطع شوطا كبيرا في مسيرته العلمية، وبالتالي لا يمكن مقارنتها بالمسيرة العلمية للأرض، لأن الأخيرة وطبقا للحال السائدة في العالم الآن، فإن الانسان مازال بدائيا جدا، أكان في استثماره للعلم او في سبيل استقرار البشرية وسلامها مع بعضها بعضاً.
إذا نظرنا الى حركة الانتاج العلمي اليومية في العالم، وقارنا بين واقع البشرية الراهن وبين الابحاث العلمية والمنتوجات النظرية للعلم لوجدنا ان الإنسان يتخلف يوميا عن نفسه بنحو عشر سنوات، واذا كان احد العلماء قد أكد في كتاب «عندما تغير العالم» الذي نشرته سلسلة «عالم المعرفة»، الكويتية قبل أكثر من 15 عاما، نقول اذا كان هذا العالم أكد أن «البشرية متخلفة عن حركة البحث العلمي نحو ستة قرون»، فإن اكتشاف العالم الروسي يوري لافبن لهذه المركبة الفضائية غير البشرية يؤكد أن سكان الأرض متخلفون عن سكان الكواكب الأخرى بنحو الف عام، اضافة الى ذلك فإن التجربة البشرية في مجال الفضاء تدفعنا الى الاستنتاج ان سكان الكوكب الذي أرسلت منه هذه المركبة حسموا خياراتهم منذ زمن طويل جدا، ورموا الحروب والاطماع التوسعية خلف ظهورهم، لأن مثل هذه الابحاث تتطلب الكثير من الثروات وهذا لا يتحقق الأمن خلال تسخير الثروات كافة من أجل خدمة الناس الذين يعيشون على سطح الكوكب، إذ لا يمكن لمن يبحث في أسلحة الدمار وقتل جيرانه على الكوكب الذي يعيش فيه ان يخلص النية في البحث العلمي من اجل تقدم الإنسانية ورفاهيتها، بل ان ذلك يدخل في نظام السعي الى الهيمنة على الآخر من خلال امتلاك القوة والتفوق في المجالات كافة، لهذا فإن البشرية الغارقة بالحروب وتعميها نزعات الهيمنة والتفرد لا يمكنها ان تصل الى مصاف الذين يعملون من أجل سلامة كوكبهم، ولا يصنعون أسلحة الدمار الشامل التي يمكن ان تدمر الكوكب مرات عدة اذا ما بدأت بالتفجير.
إن برنامج ابحاث الفضاء الذي تتبعه مجموعة من الدول في عالمنا هذا لا يخرج عن نطاق البحث عن سبل جديدة للتفوق والسيطرة على الأخر مهما كان هذا الآخر ضعيفا، لكن هذه الدول يغيب عن بالها ان الانغماس في شهوة السيطرة ونهب ثروات الشعوب، واحتكارها يؤدي في نهاية المطاف الى انهيارها، والعبرة في الكثير من الامبراطوريات التي عرفها التاريخ البشري، وكيف انهارت عندما أصبحت تعمل على امتلاك العالم واستعباد بقية شعوب الأرض.
مهما كان من أمر المركبة التي تحدث عنها تقرير «الشرق الأوسط»، ومهما كان رأي العالم البريطاني جون مورز عن هذا الأمر واعتبار ما اكتشفه يوري لافبن ادعاء واختلاقاً غبياً، فإن الأهم من ذلك ان تنظر البشرية الى مستقبلها نظرة ايجابية وترتقي إنسانيا الى الحد الذي يمكنها فيه ان تكون جديرة باحترام سكان الكواكب الاخرى ان وجد هؤلاء.
وفي الختام لابد من التساؤل: هل يعتبر سكان الكواكب الأخرى ارضنا حديقة خلفية لهم يطردون اليها المذنبات التي تهددهم؟ فاذا كان كارل ساغان قال في كتابه «الكون»: ان «عدد الكواكب والنجوم في مجرتنا يصل الى نحو 200 مليار»، فكم من كوكب في هذه المجرة يعتبرنا حديقته الخلفية؟
محرر الشئون الثقافية بـ «الرأي العام الكويتية
العدد 727 - الأربعاء 01 سبتمبر 2004م الموافق 16 رجب 1425هـ