من الذي صنع الإرهاب في دولنا؟ سؤال لابد من طرحه، هل هي الحركات الراديكالية التي أصبحت شماعةً لكل أخطاء المجتمع ومشكلاته أم هي الحكومات التي لا تقل في تشددها وانتهاكها لحقوق أبنائها عن تلك الحركات؟ هل الإرهاب والتطرف ظاهرة غريبة جاءت مع مجيء الثقافة الغربية إلينا أم هي نتيجة حتمية للممارسات المستمرة التي تقوم بها الأنظمة العربية؟ وهل فعلاً إن التطرف والإرهاب بدأ ينحسر مده مع سقوط نظام طالبان وخلع نظام صدام حسين اللذين كانا مصدراً للقلق الأميركي أم استطاع المتطرفون أن يتلونوا بأشكال واوجه جديدة لم نكتشفها بعد؟ من الذي يجب أن يكون الآن في غوانتنامو: الإرهابيون الذين تسببوا في إزهاق دم الأبرياء وحدهم أم يجب أن يكون معهم من تسبب في تطرفهم وأوجد لهم البيئة المناسبة لنمو الإرهاب؟ هل ما تتخذه حكومات المنطقة كافٍ لحل مشكلة التطرف المستقبلية أم هي تؤسس لنوع جديد من التطرف يستمد هذه المرة شرعية دولية وتاريخية من العذابات التي أصابت شعوب المنطقة تحت مسمى محاربة الإرهاب؟ أليس من يحارب الإرهابيين اليوم هو من كان يبعث بهم بالأمس إلى أفغانستان والشيشان ويوفر لهم الدعمين المالي والمعنوي؟ كيف أصبح من كانوا يسمونهم علماء ومجاهدين بالأمس مجرمين ومتطرفين اليوم؟
انه لا يخفى على أحد أن الحكومات التي تحارب الإرهاب والتطرف وتحمل لواء حقوق الإنسان كانت ومنذ زمن قريب هي المصدر الرئيسي لتمويل ودعم حركات التطرف هذه، بل كانت تستمد مدها الشعبي - إن كان لهذه الحكومات أي شعبية - من مؤيدي ومحبي هذه الحركات والتوجهات، بل لو هناك من بحث في التاريخ حتى قال ان هذه الحكومات جاءت نتاج تحالفها مع المستعمر البريطاني والفرنسيين، وشرعنت هذا التحالف بشبكة من المتطرفين وعطاشى الدم. كما انه لا يخفى على أحد الممارسات السوداء التي حفظت الكراسي العربية لتكون شعوبها مطيةً ووقودا لزيادة ثروات الحكام وأعوانهم، بل ولا يخفى أن الشرفاء من أبناء الوطن العربي الكبير عندما حاولوا إخراج المستعمر وقطع أياديه في المنطقة كانت هذه الحكومات من جهة أخرى تغذي جيوش المستعمر وتمده بالمعلومات وتعطيه القواعد العسكرية.
آن الأوان للشعوب أن تخط مستقبلها بيدها، وترفض أن تكون آلة في يد حكامها، وانتهى ذلك العصر الذي يسيطر فيه الإقطاع على مقدرات الشعوب ويعبث بهم، ولم يعد صنع الأحداث مقصوراً على الحكام، ولم تعد المبادرات ملكاً لهم وحدهم، فالشعوب اليوم انتفضت وبدأت تطالب بحقوقها، كما أن الأوراق انكشفت فما عاد ثوار الأمس الذين خدعنا بهم طويلا إلا قصاصات من ورق.
إن الحكومات التي قبلت أن تعيّش شعوبها في السجون الداخلية أو في المنفى أو تحت قهر الأميركان في غوانتنامو أن تعود إلى شعوبها، أو حُق لشعوبها أن تستبدلها بحكام آخرين. فإن هؤلاء الجياع قادرون على التغيير، لينعموا بالحرية. والتجربة العراقية خير برهان على نفاذ صبر الشعوب ورغبتها بالتغيير. ومن المفترض ان تقوم الحكومات التي مازالت تحكم شعوبها بقانون الطورائ بحُجة حال الحرب مع «إسرائيل»، بالتخلي عن هذه المزحة وإعطاء أبناء البلد حرياتهم عوضاً عن الضحك على الذقون. وعلى الشعوب مواصلة حركتها، فإن الأوضاع الظالمة لن تبقى إلى الأبد، وهاهو طاغية العراق اكبر دليل.
ناشط حقوقي، جمعية الحريات العامة ودعم الديمقراطية
العدد 727 - الأربعاء 01 سبتمبر 2004م الموافق 16 رجب 1425هـ