العدد 727 - الأربعاء 01 سبتمبر 2004م الموافق 16 رجب 1425هـ

لماذا نفصل بين تحرير النساء وتحرير الوطن؟

منى غزال comments [at] alwasatnews.com

هذا السؤال من أكثر الأسئلة التي تدور في المحاضرات، وعند نوال السعداوي جواب عليه: هل يمكن تحرير الأرض والاقتصاد في بلادنا العربية من دون تحرير النساء نصف الشعوب العربية؟ فتذكر أنه غالباً لا يأتي الفصل بين قضية المرأة وقضية الوطن إلا من الأحزاب السياسية المعادية لمصالح الوطن ومصالح النساء معاً.

وهي تكتب رأيها بأحوال النساء مع الأوامر الدينية والإلهية وقد تبالغ في ردود فعلها أو تكون أمينة، إلا أنها في النهاية تذكر أنه خلال الأعوام الماضية غرقت الأسواق والمؤسسات الثقافية في بلادنا بالكتب عن المرأة العربية والإسلام، غالبيتها بأقلام النساء الأميركيات المستشرقات، اللاتي يروجن للفكر الرأسمالي الليبرالي الحديث أو ما بعد الحديث الذي يقوم على ثلاثة أسس وهي:

1 - إن الطريق الرأسمالي (الطبقي الأبوي) هو الطريق الأمثل لمستقبل البشرية، وعلى رأسها السوق الحرة أو حرية التجارة.

2 - إن الأمومة هي الدور الطبيعي والأساسي للمرأة، وأية أدوار أخرى ثانوية.

3 - إن الصراعات الدولية والمحلية تقوم بسبب الاختلافات الثقافية والدينية والإثنية، وليس بسبب الاستغلال الاقتصادي.

4 - إن الثقافة شيء منفصل عن الاقتصاد، والشكل منفصل عن الجوهر، وان الشكل هو الأساس ولا يوجد جوهر. وقد انتشر هذا الفكر ضد الفكر الماركسي التقليدي الجامد الذي جعل الاقتصاد كل شيء وأهمل الثقافة، ومع سقوط حائط برلين والاتحاد السوفياتي طغى هذا الفكر على العالم وعلى المفكرين في عالمنا العربي إلى الحد الذي قامت معه النساء الأميركيات بترجمة هذه الكتب عن المرأة والإسلام.

وبعد شرح طويل لوضع العلمانية تذكر شيئاً خاصاً بموضوعنا وهو قضية تحرير المرأة، فتضع عدة عوامل تفسر ظاهرة تجاهل أعمال وكتابات النساء التحريرية وهي:

1 - أصبحت قضية تحرير المرأة من القضايا الاجتماعية والسياسية المهمة محلياً ودولياً، لم تعد شائكة أو محرمة كما كانت سابقاً.

2 - من السهل جداً طرد المرأة من أي مجال، وإن كان المجال الذي يخصها قبل غيرها، فالرجل لايزال الأقوى سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ويمكنه أن يستولي على قضية المرأة أيضاً ضمن ما يستولي عليه من أشياء.

3 - من السهل الاعتراف بقيادة الرجال للمرأة حتى في المجالات التي تخصها، لذلك يريدون أن يظل قاسم أمين أو الطهطاوي لحركة تحرير المرأة حتى يأتي رجل آخر ليحل محله ويرث التركة من بعده.

4 - يسهل على بعض الرجال منافسة المرأة فيما يخص قضيتها عن أن ينافسوا زملاءهم الذكور في القضايا السياسية الأكثر أهمية لهم.

5 - تجميد الحركة النسائية أو الفكر النسائي محاولة لإيقاف مسيرة الحركة النسائية وفكرها المتقدم.

6 - يحاول هؤلاء الرجال أن يكونوا المتحدثين باسم المرأة كالزوج الذي يتحدث بالنيابة عن زوجته، لأنهم يتصورون أنهم أقدر منها على التعبير عن نفسها.

7 - لا يريد هؤلاء الرجال التنازل عن مكانتهم في المجتمع، لأن تصدي النساء لقضية تحرير المرأة يهدد مصالحهم ومكانتهم، لأن معنى ذلك أنها ستأخذ المبادرة في جوانب كثيرة من الحياة.

ومن الناحية العملية لن يتحقق تحرير النساء أساساً إلا بجهود النساء أنفسهن، وإن ساعدهن بعض الرجال فإن وجود النساء ضروري كقوى أساسية فكرية وسياسية واجتماعية. ومن المعروف أن أية فئة مقهورة في المجتمع لن يمكنها التحرر إلا بجهودها. وهكذا تلعب السياسة في جميع الدول دوراً أساسياً في تفسير وإعادة تفسير الأديان أو الشرائع، ولا يمكن الفصل بينها بأي شكل من الأشكال.

وتتبع النظم السياسية في بلادنا غيرها من النظم في العالم، وتخضع أساساً للقيم الطبقية الأبوية أو الرأسمالية الليبرالية التي تقوم على التفرقة بين الناس على أساس الطبقة والجنس واللون والعقيدة والجنسية والعرق، وتتحكم القلة التي تملك السلاح والتجارة والمال في الغالبية الساحقة من البشر. ونحن نعيش اليوم مرحلة الاستعمار الجديد بأشكاله كافة ما بعد الحديثة، والذي ينظر إلى المرأة على أنها أداة في «الماكينة» الرأسمالية داخل البيت وخارجه، ويرتبط تحريرها بهذه الماكينة لتصبح أداة من نوع آخر.

وارتبط تحرير النساء في فكر الأنظمة العربية بتنفيذ مشروعات التنمية أو مشروعات تنظيم الأسرة أو الحد من معدل المواليد أو مشروعات البنك الدولي، ما أدى إلى مزيد من الفقر للفقراء ومزيد من الثراء للأثرياء، وكان غالبية ضحايا الفقر النساء.

والأديان كانت ومازالت ورقة مهمة في يد أصحاب السلطة السياسية محلياً ودولياً، وأصبح غالبية الأنظمة العربية تابعة للقوى الدولية، ومشروعات العولمة المتناقضة والموجهة أساساً لخدمة الشركات المتعددة الجنسيات. والنضال الشعبي ضد هذه القوى والذي يشارك فيه النساء والأطفال والفقراء والشباب، هو النضال الأساسي الذي يمكن أن يتحدى هذا الاستغلال الجديد دولياً وعربياً.

وقد بدأت هذه القوى الشعبية الجديدة تتعاون على رغم حواجز الدول أو اللغة أو الدين، وإزاء هذه القوى الشعبية المستنيرة بدأت القوى الدينية السياسية تتراجع وتتفقد أسلحتها، وفي سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية طلب بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني (في 12 مارس/ آذار 2000) الصفح والمغفرة عن الأخطاء والذنوب والآثام التي شاركت الكنيسة الكاثوليكية في ارتكابها على مدار السنين، ومنها إساءة معاملة النساء والتحرش الجنسي بهن من قبل بعض القساوسة، واستخدام القوة المسلحة والعنف لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية تحت راية الصليب أو اسم المسيح، وغيرها من الجرائم الكثيرة ضد العدل أو الحرية أو المساواة بين البشر. حدث هذا من خلال قداس كبير أقيم في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان. وربما يحدث مثل ذلك في بلادنا العربية بأن يطلب رجال الدين الإسلامي الذين خضعوا للسلطة السياسية والاقتصادية على مر العصور واقترفوا الآثام والذنوب الصفح، ربما يؤنبهم ضميرهم ويعلنوا الصفح والمغفرة عن أخطائهم وإساءتهم معاملة الفقراء من البشر والنساء

العدد 727 - الأربعاء 01 سبتمبر 2004م الموافق 16 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً