العدد 727 - الأربعاء 01 سبتمبر 2004م الموافق 16 رجب 1425هـ

ضحايا حماقات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بعد خطف الصحافيين الفرنسيين جاء قتل 12 نيبالياً بطعنهم بالسكاكين وضربهم بالرصاص ورميهم في العراء... وتم تنفيذ هذا الفعل الشنيع باسم الإسلام والمسلمين.

ردة الفعل الأولى على هذا العمل الجبان هي إثارة الغالبية البوذية - الهندوسية في النيبال وقيام عشرات الآلاف من سكان العاصمة وضواحيها بالهجوم على أحياء المسلمين وحرق منازلهم ومكاتبهم ومساجدهم واتلاف نسخ القرآن الكريم ونهب مخطوطات وتحف لا تقدر بثمن. والآتي أعظم إذا لم تتدارك الحكومة الموقف وتتصدى لكل المشاغبين أو المصطادين في المياه العكرة. فما ذنب المسلمين في نيبال من جرائم ترتكب باسم الإسلام في مناطق بعيدة عن همومهم ومصالحهم؟

لا ذنب اقترفه المسلمون النيباليون ليدفعوا ثمن جريمة ارتكبتها مجموعة مجهولة لا يعرف عنوانها وماذا تريد، ولمصلحة من ترتكب تلك الحماقات؟

القصد طبعاً معروف وهو الاساءة إلى الإسلام وإثارة الكراهية والبغضاء ضد المسلمين في العالم وتشجيع دول الاستكبار العالمي للتحالف لمحاصرة العالم الإسلامي وعزله. وما حصل في نيبال يمكن ان يمتد ويتكرر في أكثر من دولة وهذا كله في النهاية يصب في طاحونة كتلة الشر التي تتحكم بخيوط القرار الأميركي في «البنتاغون».

المشكلة أن مثل تلك الحماقات (المقصودة) تعطي الذريعة لكل اعداء الإسلام للتحرك وتوحيد الجهود لاستكمال شن الهجمات ضد ديار المسلمين ومواقعهم. ودائماً في هذا السياق التحريضي تدفع الاقليات الثمن الأكبر لأنها ستكون الضحية الأسهل لكل العنصريين والحاقدين والمتربصين.

المسلمون في نيبال أقلية ولا يتجاوز عددهم نسبة 5 في المئة من سكان دولة جبلية فقيرة يبلغ مجموعهم 25 مليون نسمة غالبيتهم من الهندوس والبوذيين. وبسبب قلة نسبتهم قياساً بالأكثرية السكانية فإن حياة هذه القلة معرضة للخطر من قبل جماهير هوجاء تعاني الجوع والامية وتعيش على القوت اليومي.

نيبال دولة صغيرة تقع بين دولتين كبيرتين (الهند والصين) في هضاب ومرتفعات هملايا، ويعتمد سكانها على الزراعة والصناعات الحرفية واليدوية في مناخ جليدي. فهذه الدولة التي يبلغ معدل دخل الفرد السنوي فيها قرابة 1360 دولاراً لا تشكل خطراً على العالم الإسلامي ولا ناقة ولا جمل لها فيما يحصل في العراق أو أفغانستان، ولا تملك قرار الحرب أو السلم، ولا تأثير سياسياً لها ولا وزن لها في توازن الاقتصاد العالمي. فهذه الدولة الصغيرة قياساً بالجارين الكبيرين لا يتجاوز ناتجها المحلي 44 ملياراً في السنة وتبلغ نسبة الامية فيها 60 في المئة، وجيشها لا يتعدى 50 ألفاً وموازنة الدفاع لا تتجاوز 66 مليوناً في السنة.

كل شروط القوة غير متوافرة في هذه الدولة. فهي من الدول المعدمة وتعيش منذ سنوات حالات قلق سياسي بسبب مخاوفها من الجار الصيني ونهوض حركة تمرد محلية ضد الملكية الدستورية تقودها مجموعات ماركسية - ماوية. نيبال دولة فقيرة وصغيرة وتعيش حياة منقسمة في مشاعرها بين الصين البوذية (الماركسية) والهند الهندوسية (الرأسمالية)، وهذا ما دفع حكومتها إلى إعلان حال الطوارئ منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2001.

إذاً ما ذنب النيباليين حتى تقوم مجموعة مجهولة الأصل والفصل والمصدر بخطف بعض عمال ارتحلوا إلى العراق تحت ضغط الجوع والقلق والخوف إلى بلد يعيش حالات مشابهة للارتزاق وتوفير لقمة العيش؟ ما ذنب هؤلاء ليدفعوا ثمن جريمة ضد الإنسانية ارتكبتها دولة كبرى تدعى الولايات المتحدة، وأيضاً ما ذنب المسلمين الضعفاء والمساكين والفقراء في نيبال حتى يتحولوا إلى كبش فداء لحماقات ترتكبها مجموعات تدعي الانتساب إلى الإسلام... متوخية أساليب الغدر المخالفة لتعاليم الكتاب والسُنة؟

طبعاً لا ذنب لأحد في جريمة ارتكبتها الولايات المتحدة وتتحمل هي وحدها المسئولية القانونية عن كل ما يحصل في مسرح الجريمة منذ احتلال العراق والاستيلاء عليه عنوة. عمال نيبال ضحايا تلك الجريمة والحماقات، والاقلية المسلمة هي ضحية هياج مجموعات ضآلة انتقمت من ناس لا علاقة لهم بكل ما حصل ويحصل في بلاد الرافدين.

الضعفاء دائماً يدفعون والأقوياء يقبضون ثمن جرائم نظموها وفتحوا الأبواب أمامها، لأن الحروب في النهاية مصدر رزق للدول الكبرى بينما الدول الصغرى لا تلقى سوى الكوارث التي تُرتكب ضدها وباسمها.

وبين حرب وحرب تُستبدل عناوين الشعارات لتتناسب مع المرحلة وتتوافق مع متطلبات الحاجة. وقمة المأساة ان اللاعب الرئيسي يدّعي البراءة بينما ضحايا لعبة الدول الكبرى يتساقطون من دون حسيب ولا رقيب

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 727 - الأربعاء 01 سبتمبر 2004م الموافق 16 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً