استحدثت «الوسط» خدمة جديدة هذا الأسبوع تطرح من خلالها سؤالاً على جمهور القراء وتستقبل الاجابات عليه لنشرها لاحقا. وحرصت «الوسط» على ألا تضاف أية تعرفة إضافية على ارسال الرسائل النصية (عبر الهواتف النقالة) وأن يكون بإمكان أي شخص يود التعبير عن رأيه فعل ذلك بأسهل طريقة ممكنة. والفكرة هي أن رأي الناس أصبح الموجه الرئيسي للسياسات في شتى مجالات الحياة، ودخلت تكنولوجيا الهواتف النقالة هذا المجال أخيراً لتعطي فرصة أخرى للتعبير عن الرأي.
الاستطلاعات - بمختلف أنواعها - تفيد في التنبيه أكثر من أي شيء آخر، فهي ليست مثل الانتخابات تشريعية، وليست استفتاءات قانونية، وإنما استشفاف لآراء مجموعة من الناس بشأن قضية مهمة مطروحة في الساحة العامة. ومع ذلك فإن مثل هذه الاستطلاعات تؤثر على مسرى الأمور عندما تنكشف، وخصوصاً إذا وضحت موضوعيتها وأسلوب تحصيلها.
الاستطلاعات تعتبر واحدة من أوجه التمثيل السياسي للناس Representation. فأحد أوجه التمثيل السياسي يرتكز على فكرة تقول إن رأي مجموعة من الأشخاص بإمكانه أن يعطينا صورة عن الرأي السائد في المجتمع، شريطة أن تكون هناك أسس علمية لاختيار المجموعة (التي تبدي رأيها في الاستطلاع) بطريقة توصلنا لضم مختلف آراء الناس. وهذا من أصعب الأمور، وهناك مؤسسات كبرى متخصصة في هذا المجال وهي تتحرك على مدار السنة في المجتمعات المتقدمة لرصد وقياس التحولات في آراء الناس. وتزداد حركة هذه المؤسسات عندما يقترب موعد الانتخابات، ولذلك فإن مثل هذه المؤسسات تمر في أوج نشاطها حالياً في أميركا مع قرب الانتخابات الرئاسية. والأسئلة المطروحة على الناس بعضها مضحك والقصد منه التخفيف على الجمهور من حدة العملية السياسية وفي الوقت ذاته اكتشاف معالم أخرى لآراء الناس. مثلاً قامت حديثاً مؤسسة «برايت سمايل» الأميركية باستطلاع رأي الأميركيين عن سؤال «من يمتلك أسناناً أكثر بياضاً وجمالاً ويستحق أن يجلس في البيت الأبيض؟»... وحصلت على أجوبة تقول إن 58 في المئة يعتقدون أن «جون كيري» ونائبه «جون ادوارز» لديهما اسنان أجمل وأكثر بياضاً من «جورج بوش» ونائبه «ديك تشيني»!
السؤال مضحك والاجابة ربما أكثر سخرية، ولكنها أيضاً توضح مدى اهتمام الشعب الأميركي بتبييض الأسنان وهو يفسر لماذا يزداد الطلب على أطباء الأسنان هناك ايضاً.
ولكننا جميعاً نعلم أن الاستطلاعات ليست هي الحكم النهائي حتى لو كانت دقيقة ومفصلة بشكل علمي مقبول، فالانتخابات تبقى هي أفضل وسيلة أنتجتها الإنسانية لحد الآن لمعرفة رأي الناس بالنسبة إلى قضاياهم والوجهة التي يودون السير نحوها. والتمثيل السياسي في هذه الحال يختلف جداً، لأن الشخص الذي يفوز في انتخابات ما تصبح لديه سلطة وصلاحية طوال فترته الانتخابية، ويستطيع أن يقوم بكثير من الأمور - حتى ولو لم يوافق على ذلك من انتخبه أو لم ينتخبه - ولكنه يعرض نفسه مرة أخرى لـ «محكمة الشعب» في الدورة الانتخابية التالية، وعليه أن يقنع الناس بأن ينتخبوه مرة أخرى ويعطوه الصلاحية خلال الفترة المقبلة.
وعلى رغم أن الشخص المنتخب لديه كل الصلاحيات خلال فترة انتخابه، فإنه يحتاج لمعرفة رأي الناس من خلال الالتقاء بهم أو الاطلاع علـى الاستطلاعات لكي لا ينتهي به الأمر إلى الفشل في الانتخابات التالية.
ونحن بدخولنا مرحلة انتقالية للديمقراطية في البحرين، فإننا جميعاً بحاجة إلى سياسيين متدربين تدريباً متطوراً، وبحاجة إلى جمهور واعٍ يقوم بدوره، وبحاجة إلى «سوق استطلاعات» توفر لنا خدمات كثيرة ومتنوعة لترشيد الحياة السياسية
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 727 - الأربعاء 01 سبتمبر 2004م الموافق 16 رجب 1425هـ