العدد 727 - الأربعاء 01 سبتمبر 2004م الموافق 16 رجب 1425هـ

الشعر والتلقي(2)

تواصلاً مع ما أشرنا إليه في الأسبوع الماضي، أعيد تأكيد أننا نحاول النظر في إشكال الشعر والتلقي، ولن نتعرض إلى أشكال الشعر إلا بما يتصل بهذا الإشكال؛ إذ ليست غايتنا هي البحث في الشعر بما هو شعر.

«التلقي» هو العملية التي من خلالها يخرج «النص» من عهدة منتجه ليقع ضمن سيطرة «المتلقي» ويخضع لهيمنته، بما تقتضيه هذه الهيمنة من إجراءات وعمليات تحويل يقوم بها المتلقي لهذا النص.

ولي ملاحظتان أستدرك بهما على ما سبق. الأولى، أنني لا أغفل أن منتج النص هو المتلقي الأول له، وأنّ هذا المتلقي- والأمر يتعلق بقدراته الخاصة وملكاته المجاورة لملكة الإبداع - يقوم بعمليات كثيرة من التحوير والتبديل وإعادة الخلق، بل إنه قد يتحول وجودُهُ إلى وجود آخر مغاير لوجود المبدع وإن كان منتزَعًا منه. وهذا الجانب نستبعده من مجال النقاش لأسباب يتصل بعضها بأننا نروم التركيز على المتلقي الآخر، كما يتصل بعضها الآخر بجانب ذاتوي جدا، يتمثل في أنّ تجربة المتلقي المنتزع من الذات تحتاج إلى معاينات خاصة منذ لحظة تمثّل النص بصورة جنينية إلى أن يخرج مكتمل الخلقة. ولعل الكثيرين من المبدعين يحتفظون بأوراقهم الخاصة التي شهدت تخلّق وولادة نصوصهم، ومثل هذه وإن كانت تجربة على درجة كبيرة من الأهمية إلا أنها خارجة عن نطاق كلامنا.

الملاحظة الثانية تلتفت إلى النص بغض النظر عن شكله وصور تجلّيه. القيد الوحيد هو كونه نصا شعريا، وفي ذلك يستوي كونه شفويًّا مسموعًا أو مكتوبا. كما أننا لن نلتفت، إلا بقدر ما يقتضيه ضبط النقاش، إلى كونه نصًّا فصيحا أو باللغة الدارجة. المهم في هذا كله هو أن نقع على النص بما هو تحقق مادي يمكن ضبط أطرافه. أمّا اللحظة التي من خلالها يخرج النص من عهدة منتجه ليقع ضمن سيطرة وهيمنة متلقيه، فإنها اللحظة الأكثر خطورة على حياة هذا النص ومستقبله. وهذه اللحظة، بالذات، هي التي تحدد وظائف التلقي التي منها (الوظيفة التواصلية - الوعظية - الجمالية...إلخ). نلاحظ، بالمقابل، أن هذا «التلقي» يمكن النظر إليه تارةً باعتبار وظيفته، وتارة باعتبار سياقه، أي الحال المادية التي من خلالها تتم إجراءاته وتتصاعد إلى حدّها الأقصى، وتتحقق إعادة إنتاج النص.

ولا شك أن هناك فرقًا هائلاً بين نص يقرأ وبين نص يستمع إليه، وبين نصٍّ يغنّى ونصٍّ يتباكى به. كما يمكن النظر إلى «التلقي» باعتبار تنوع النص نفسه. وفي المطلق، فإن تلقي النثر يختلف عن تلقي الشعر، وللتصاعد بحال التلقي للنثر، يجب اللجوء إلى آليات خاصة، عبر دوال وثيمات في النص نفسه أو عبر سياقات أخرى حافة تهيّأ له، كما هو حاصل على سبيل المثال في القرآن الكريم أو في نموذج الزيارات للنبي (ص) والأئمة من أهل البيت (ع). كما أن تلقي النص الشعري الكلاسيكي يختلف عن تلقي قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، وكل ذلك له تعلق هائل بما يستطيع النص تقديمه لنا لخلق تواصل إيجابي وفعال





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً