أفضل هدية تلقاها الرئيس الأميركي عشية انعقاد مؤتمر الحزب الجمهوري في نيويورك لتجديد اختياره كمرشح منافس للديمقراطي في معركة الرئاسة كانت تلك التي أقدمت عليها مجموعة مجهولة تطلق على نفسها أو أُطلق عليها «الجيش الإسلامي». فهذه المجموعة التي ادعت أنها أقدمت على خطف صحافيين فرنسيين أسدت خدمة غير متوقعة للرئيس جورج بوش الذي يعاني الكثير من المشكلات لإقناع الناخب الأميركي بأن معركته ضد العرب والمسلمين كانت صحيحة، وأن الإنفاق على حروبه ضد ما يسمى بـ «الإرهاب» لم يذهب هباء. فالرئيس بوش يجب أن يوجه الشكر لمثل هذه المجموعات التي لا يُعرف من يدفع لها أو من يشجعها على ارتكاب حماقات باسم الإسلام للنيل من كرامة كل المسلمين وشرفهم في العالم العربي والعالم كله. وهذا ما أكدته البيانات والتصريحات التي صدرت عن «المؤتمر الإسلامي» و«الجامعة العربية» وحركة «الإخوان المسلمين» والسيد محمد حسين فضل الله.
تقول المجموعة السرية (المجهولة العنوان) إنها أقدمت على فعلتها تلك لإجبار الحكومة الفرنسية على التراجع عن قانون حظر الحجاب في المدارس الرسمية الذي سيبدأ تطبيقه الخميس المقبل. هذا هو العنوان الذي طرحته تلك المجموعة باسم الإسلام والمسلمين. ولكن هل فعلاً ان هدف تلك المجموعة الدفاع عن الحجاب، وهي تعلم أن ذلك القرار الخاطئ الذي تورط به (أو وُرِّط به) الرئيس الفرنسي جاك شيراك، من الصعب كسره خلال 48 ساعة أو 72 ساعة وربما 72 يوماً؟ فالقرار الذي تحول إلى صيغة قانون يحتاج إلى مقاومة فرنسية مدنية تشارك فيها كل الفئات والأطياف والطبقات لتعديله أو تجاوزه. فالمسألة إذاً أكبر من أن تكون حرص مجموعة مجهولة العنوان والأصل والفصل والمصدر على مسألة الحجاب. إنها عملية مشبوهة تطال الموقف الفرنسي برمته وإجباره على إعادة النظر في سلوكه من مجموعة قضايا وفي طليعتها الاعتراض على صيغة الحرب الأميركية على العراق.
ردة فعل رئيس الحكومة العراقية المعينة إياد علاوي كانت واضحة في الإشارة (أو الغمز واللمز) إلى المواقف الفرنسية واتخاذ الرئيس شيراك موقف الحياد من الحرب والمعترض عليها قبل حصولها. فعلاوي سخر من الفرنسيين وحاول المناورة في تصريحه حين أشار إلى أن باريس تدفع ثمن موقفها من الحرب... وهو أمر رفضته فرنسا وأدانت تصريح علاوي الذي حاول الربط بين الخطف وموضوع الحرب على العراق.
إلا أن ما قاله علاوي وما رفضته فرنسا وأدانته وما يحاول بوش توظيفه لمصلحته في معركته الرئاسية كلها علامات تدل على جهل المجموعة الخاطفة وخطورة أعمالها. فالهدف في النهاية الإساءة إلى الإسلام والمسلمين وزيادة الضغوط عليهم دولياً وإقليمياً وتحميلهم مسئولية تداعيات أفعال ترتكبها مجموعات لا تُعرف الجهة التي تشجعها على اتباع هذه الوسائل التآمرية على العراق والمقاومة العراقية.
مثل هذه الحماقات (المقصودة) وعلى مثالها من نوع قطع رأس الرهينة الإيطالي وحز رؤوس مخطوفين من مصر وتركيا وباكستان والهند وغيرها من صحافيين أو عمال، لا وظيفة لها سوى عزل المقاومة العراقية الشريفة عن جمهورها وتقطيع صلاتها واتصالها مع أطياف المجتمع. فالمقاومة حتى تعيش وتنشط وتتسع عملياتها لابد لها من أن تتحرك وسط محيط شعبي متعاطف معها ومؤيد لها ومستعد للتضحية من أجلها وتغذيتها ومساعدتها. والمقاومة حتى تأخذ بعدها الدولي - الشرعي لابد لها من كسب احترام الشعوب المحبة للسلم والحرية والعدالة والمساواة، وهذا الاحترام لا يأتي عن طريق قطع رؤوس كل من صادفته مجموعة مجهولة ومشبوهة على الطريق... بل من خلال اختيار الأهداف العسكرية للمحتل الأميركي. فالضرب على المحتل يكسب الاحترام ويوسع من دائرة الحلفاء ويعطي للمقاومة شرعية دولية تضغط على الدول الكبرى وتجبرها على إعادة النظر في قراراتها وسياساتها.
أما لجوء تلك المجموعات إلى اتباع أساليب القتل العشوائي وضرب تجمعات العراقيين المدنية وقطع الرؤوس وغيرها من أفعال شنيعة فإن النتائج ستكون طبعاً سلبية وكارثية.
لذلك من يرتكب تلك الحماقات (المقصودة) ليست له بالتأكيد علاقة بالمقاومة العراقية المشروعة والشريفة، بل إنه يعطل عليها ويشاغب على أهدافها النبيلة ويربكها ويثير ضدها الأحقاد والحساسيات والكراهية ليس من دول الغرب فقط وإنما من دول العرب والمسلمين أيضاً.
خطف الصحافيين الفرنسيين مسألة خطيرة، وهي لا تهدف إلى رفع حظر الحجاب وإنما تريد رفع الغطاء عن كل المسلمين وتحديداً تلك الجاليات العربية والمسلمة في أوروبا والولايات المتحدة من خلال تشويه سمعة الإسلام وصورة المسلمين خدمة لأغراض سياسية كبرى تشتغل عليها كتلة الشر في «البنتاغون». فالمستفيد من تلك الأفعال الشنيعة هم تجار الحروب وأصحاب الرؤى الحاقدة على العرب والمسلمين، وكلها تشير إلى صحة نظرية المؤامرة... المؤامرة على الإسلام باسم يافطات إسلامية والتآمر على المقاومة العراقية باسم مقاومة كل من يقاوم الاحتلال
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 726 - الثلثاء 31 أغسطس 2004م الموافق 15 رجب 1425هـ