في محاولة وتردد لكتابة العمود الأسبوعي، شعرت بالخواء والبلبلة تحيط بي وبأفكاري، لعدم وضوح الرؤية لما يدور حولنا، من أمور غريبة عجيبة يصعب فهمها وتحليلها، وكثرة المؤامرات والخديعة في حياكة عالم جديد مقبل، مليء بالمفاجآت والآلام، ما أدى إلى قلب الموازين وقلقلة حياة الملايين، وتشردهم إلى أماكن أخرى من العالم للحصول على الرزق ولقمة العيش، وقد لا يجدونه ولا يعرفون مصائرهم!
ففي عالم السياسة حينما تعقد المؤتمرات لبناء مدينة غزة ويجتمع أكبر رؤساء العالم (سبعون دولة)، ذلك للتبرع بالمال في شرم الشيخ ويجمعون أحد عشر تريليون دولار (يعني ألف مليار)، ولا نعرف من أين انهمر ذلك الكرم الحاتمي الفجائي!
معظم هذه الدول هي التي كانت ساكنة سكون الموتى ولمدة اثنين وعشرين يوما والمدينة وأبناؤنا يدمرون بالقذائف الممنوعة دوليا، فقتل وتشوه وترمل الأبرياء بأكثر من ألف قتيل وعشرين ألف جريح ومشوّه ومقطوع الأيدي والأرجل!
هؤلاء الشهداء والضحايا كانوا ثمنا لغباء عالم يتفرج صامتا! هم «قتلوا القتيل وساروا في جنازته»، هل يعوض المال كل هذه المآسي والمصائب التي يعجز اللسان عن تشبيهها؟ أم سيعيد الشهداء والأطفال والمعاناة ومن دفنوا تحت الأنقاض وربما مازالوا هناك!
أمَا كان الأجدى بهؤلاء إيقاف ذلك الدمار والذبح ونزيف القتل والتنكيل من هجوم البرابرة الشيطاني، وإنقاذ البلاد والشعب المغلوب على أمره عوضا عن هذه المؤتمرات الغبية والتبرعات وإشعارنا بالذل والمسكنة، أم هناك شيء مخبأ ما بين السطور، ولا نعرفه من مؤامرات وحيل؟! هم يقتلون ويدمرون، ثم بعد ذلك يتظاهرون بالرحمة والمعاونة!
أشياء يصعب علينا فهمها، في تلك الرؤية غير الإنسانية أو غير الطبيعية والتي تمتلئ بالقرف والإرباك لحركة العالم وأنانية منقطعة النظير، واحتساب أمور لا يعرفها إلا الشياطين منهم والمتخفين في ثياب البشر بقلوبهم الميتة!
وبنظرة على الاقتصاد والمال، وفناء الشركات وانهيار وتهاوي العديد من المصارف الكبيرة، والبورصة في العالم، ولأول مرة تنشر هذه الأرقام على مسمع منا في كل الأخبار: المليون، والميارات، والتريليون حجم الخسائر، وأزيدكم علما بأن الزيليون يأتي بعد التريليون والذي هو ألف تريليون، وربما تسمعون عنه قريبا في خسائر الدول الكبرى، إنه مما لا شك فيه أن الأرباح كانت خيالية والذين عملوا في هذه المجالات، فتحت لهم أبواب السماء وأصبحوا مليونيرات وتريليونات، لصفقات تصل الأرباح لهم فيها ما يزيد على المئة في المئة (وعدة أضعاف رواتبهم)، هم يأخذون ذلك من إبرام العقود مع العملاء ومن ثم يربحون أضعافا مضاعفة عما يعطونه لنا ولكم، ومن حساباتنا!
هكذا كان، وفي مثال عن مدير في أحد المصارف البريطانية تقاعد عن عمر يناهز الخمسين، وحصل على عشرين مليون جنيه في السنة لطوال حياته، هكذا كان في عقده مع المصرف، يعني مليون ونصف المليون جنيه في الشهر، الآن يعيش ملكا بهذا المبلغ!
ومعروف بالطبع أن هذه المصارف كانت تقتطع ما بين 8 إلى 16 في المئة على القروض وتعطي 3 إلى 4 في المئة أرباحا لمن يضع ماله في المصرف والتي وصلت الآن إلى النصف في المئة ومازالت نسبة القروض عالية، أما في البورصة والأسهم فنجد أثناء مراجعة العقود المسجلة عدا كثرة الأوراق المملة والتي عملت بطريقة تستحيل معها قراءتها بسبب صغر الكلمات غير الواضحة والمخبأة بطريقة ملتوية يصعب فهمها على القارئ العادي، والذي عملها يقال عنه محامٍ داهية، وقد دفع له الكثير للقيام بهذه المهمة المشبوهة في عدم وضوحها، وهو الفخ الحقيقي والذي يقع فيه الكثيرون نتيجة لثقتهم بالموظف الأمني الذي قال لهم شفهيا إن هذه العملية مربحة أكيدة وبعدها يجدون خسائرهم الموجعة والمفجعة وحينها يقال لهم: ألم تقرأوا العقد؟! آه، هنا يقع اللوم عليكم حينها، و»القانون لا يحمي المغلفين» والذي هو غفلة مفتعلة ومدروسة من قبل بعض المصارف والفهلوة!
هكذا بنيت فكرة الأرباح هذه، مراوغة وكذب وربا، والغلبة للأقوى في عالم شرس، وتراكمت الأغلاط، وخسر الكثيرون!
هكذا هي الحياة والقلق الذي ساورني وأنا أحاول الكتابة، وأقول لصديقة إنني قد أتوقف عن الكتابة لذلك الخواء وعدم الثقة بما يدور حولي، أجابت بضحكة رقيقة حلوة؛ أرجوكِ لا تتوقفي فكتاباتك مختلفة ومتنوعة، ونحن ننتظرها وهو نوع من التخفيف عن الأخبار السياسية المملة دائما، وكانت هي الحافز، ومازلت أفكر!
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 2372 - الأربعاء 04 مارس 2009م الموافق 07 ربيع الاول 1430هـ