لم ينجح المبعوث الأميركي جورج ميتشل إلى «الشرق الأوسط» في تحقيق اختراق في جولته الأخيرة. وكان المبعوث طمح أن يعلن في نهاية الأسبوع الماضي عن بدء إجراء حوار غير مباشر يفتح الباب لمناقشة الأمور المتصلة بالملف الفلسطيني وما يقتضيه من خطوات تمهد الطريق للوصول إلى الغاية وهي الإعلان عن دولة مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة خلال فترة لا تقل عن سنتين.
التفاؤل الأميركي المزعوم جاء بعد أن تلقى الرئيس باراك اوباما أجوبة قيل إنها إيجابية بشأن الأسئلة التي طرحها على رئيس حكومة تل أبيب بنيامين نتنياهو خلال زيارته إلى واشنطن في الشهر الماضي. وبناء على تلك الأجوبة المجهولة الطبيعة والعنوان قرر ميتشل العودة إلى المنطقة باعتبار أن نتنياهو وافق على تخفيف الحصار عن قطاع غزة، ورفع بعض الحواجز في الضفة، وتسهيل عمليات الانتقال بين القرى والمدن، والانسحاب من بعض المواقع والمراكز الأمنية، وتجميد الاستيطان مؤقتاً في بعض المناطق باستثناء القدس، وأخيراً البدء في التفاوض على أساس ترسيم حدود «دولة مؤقتة» وتأجيل القضايا المختلف عليها بشأن القدس والمستوطنات والعودة ومساحة الدولة إلى مرحلة ثانية حين تبدأ المفاوضات النهائية.
اعتبرت واشنطن أن هذه الأجوبة الغامضة كافية لنشر حال من الاطمئنان تفتح الباب أمام مفاوضات إيجابية تنقل المنطقة من طور التوتر إلى نوع من الاستقرار ما يمهد الطريق إلى قيام دولتين بعد أكثر من سنتين. وتأسست قناعة ميتشل على أن نتنياهو قدم من طرفه تنازلات وبالتالي لابد أن تتقدم السلطة الفلسطينية خطوة مقابلة إلى الأمام.
هذه المعادلة الخاطئة التي اعتمد ميتشل عليها تكشف عن مدى ضعف الإدارة الحالية في التقاط المفارقات وعدم قدرتها على التمييز بين جانب يحتل ويتوسع في أراضي السلطة الفلسطينية وبين جانب يتعرض يومياً للاجتياح والتهديد بالطرد والعمل الدائم على جرف الأحياء والأراضي الزراعية وبناء جدار الفصل العنصري وتمديد المستوطنات أفقياً وعمودياً.
التعامل الأميركي مع المعادلة الخاطئة دفع ميتشل إلى التفاؤل والظن أنه جلب إلى السلطة الفلسطينية هدية العيد، وهي في النهاية مجرد علبة فارغة تحتوي على قصاصات ورق يمكن أن تهملها تل أبيب أو تتنكر لها حين تأتي الفرصة المناسبة كما فعلت عشرات المرات في حقبات سابقة.
هناك الكثير من الوعود والاتفاقات وقعتها «إسرائيل» في مناسبات مختلفة في حديقة البيت الأبيض وبحضور الرئيس الأميركي وبإشراف الدول الكبرى والأمم المتحدة ثم تهربت منها بعد فترة وجيزة. وهناك الكثير من الأوراق الرسمية التي وضعت تل أبيب أختامها عليها في أوسلو والقاهرة وشرم الشيخ ووعدت بتنفيذها حين يأتي وقتها ثم تراجعت عنها بذرائع شتى.
عملية كسب الوقت وتضييع الفرص والتنكر للتوقيعات هي سياسات لابد أن تكون الإدارة الأميركية على اطلاع عليها. فالتفاوض ليس جديداً وهو بدأ علانية في مدريد وتطور في الكثير من المحطات خلال تسعينات القرن الماضي بحضور ومتابعة من إدارة جورج بوش الأب ثم إدارة بيل كلينتون وبعده جورج بوش الابن. وانتهت كل هذه السلسلة من الاتصالات واللقاءات والتوقيعات والوعود إلى نتيجة أكثر من صفر وأقل من واحد.
كيف بالإمكان أن تصدق إدارة أوباما حكومة كاذبة وهي على علم وتمتلك هذا الأرشيف الضخم من الأوراق التي وضعت في الأدراج خلال فترة مفاوضات قاربت مدتها أكثر من 20 عاماً؟ سؤال يحتمل تفسيرات عدة تتراوح بين أن أوباما يدرك أنه فشل في التوصل إلى ما يريد من أجوبة واضحة من نتنياهو ولكنه أراد المراهنة وشراء السمك في البحر وقبل اصطياده، أو أن أوباما أراد رمي الكرة في الملعب الفلسطيني لمعرفة ردة الفعل ومدى قدرة السلطة في رام الله على التحمل والممانعة وبالتالي اختبار تعاملها مع المناورة الإسرائيلية.
الجواب الفلسطيني كان واضحاً وهو جاء بناء على خبرة طويلة مع الجانب الإسرائيلي الذي يتميز بالمماطلة والمداهنة والتلاعب بالوعود وكسب الوقت بقصد فرض وقائع على الأرض تعطل إمكانات قيام دولة قابلة للحياة وذات سيادة في المستقبل. الكلام الإسرائيلي عن حدود مؤقتة تقوم على مساحة 40 و50 و60 في المئة مقدماً على أن يتم التفاوض بشأن ما تبقى مؤخراً يعني بكل وضوح وبساطة أن تل أبيب لن تنسحب منها حين تأتي اللحظة الزمنية بعد سنتين أو أكثر. وهذا الكلام الذي نقله ميتشل من دون كفالة أميركية يعني أيضاً أن مشروع الدولة سيقام على أرض مقطعة الأوصال ومحاطة بالأسلاك الكهربائية ومحاصرة بالجدار العنصري ومتآكلة بالطرقات الالتفافية وبؤر المستوطنين.
سياسة تقطيع الوقت التي تعتمدها «إسرائيل» منذ أكثر من عقدين هي أساساً خطة موضوعة لترسيم حدود دويلة مقطعة الأوصال وغير صالحة للسكن. وهذه الخطة لابد أن تكون إدارة واشنطن مطلعة عليها وتعرف حيثياتها ومسارها التصادمي مع حقوق الشعب الفلسطيني وأبسط متطلبات الحياة التي تضمن في النهاية سيادة الدولة وسعادة الناس.
تأجيل القضايا الكبيرة والمهمة إلى المفاوضات النهائية يعني في منطق الاحتلال كسب الوقت لاستكمال خطة القضم والتموضع وتمديد جدار الفصل وتوسيع المستوطنات في المساحة المتبقية من أراضي الضفة وأحياء القدس. وهذا هو بالضبط ما يريد الاحتلال التوصل إليه سواء بالتفاوض أو من دون تفاوض. فالخطة كما يبدو مستمرة وهي لن تتوقف إذا أرادت السلطة ومعها الولايات المتحدة أو لم تُرِد.
الرفض الفلسطيني لخدعة تقطيع التفاوض يشكل الرد الطبيعي والبسيط لأنه جاء بناء على تجربة تقطيع طويلة ومريرة ذاقت خلالها السلطة الكثير من الوعود العسلية الممزوجة بالسموم.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2789 - الأحد 25 أبريل 2010م الموافق 10 جمادى الأولى 1431هـ
عبد علي عباس البصري
الزياره التي قام بها ابو الغيط وزير الخارجيه المصري الى لبنان ، فهم من لقائاته مع الحكومه اللبنانيه ومع الاحزاب السياسيه في لبنان ، ان الحزب الحاكم في مصر يبدي انزعاجه من المواقف الامريكيه المعاديه للحزب ومن الخروقات الاسرائيليه المتكرره على الحدود المصريه (كما نشرت صحيفه القدس العربي لهذا اليوم) غير ان الحزب الحاكم في مصر لم يغتنم الفرصه الى في الوقت الضائع ؟