عقدت أزمة ديون اليونان وثوران بركاني في آيسلندا المشاكل التي يواجهها الاتحاد الأوروبي ليثبت نفسه كلاعب مهم على الساحة الدولية.
وسلطت الأزمتان الضوء على العملية البطيئة للتوصل إلى اتفاق بين 27 دولة عليها أن ترضي شعوبها في الداخل وكثيراً ما تفضل الدفاع عن المصالح الوطنية.
واجهت حكومات اتهامات بالتسرع في اتخاذ قرار إغلاق المجال الجوي في مواجهة سحب الرماد البركاني التي أدت إلى إلغاء آلاف الرحلات الجوية في أوروبا في حين انهالت الانتقادات على الاتحاد الأوروبي لبطء تحركه.
وفيما يتعلق بمساعدات اليونان واجه الاتحاد وتحديداً الدول الست عشرة التي تستخدم اليورو انتقادات شديدة حين استغرق اتخاذها قراراً بصدد حزمة المساعدات أسابيع ثم لما بدا بعد ذلك من اختلافها على ما اتفق عليه والإخفاق في تهدئة الأسواق المالية.
ويقول منتقدون إن الأزمتين تبرزان المشكلات نفسها المتمثلة في الانقسامات السياسية وتعقد عملية اتخاذ القرار والتركيز على القضايا الداخلية وليس الأوروبية، والافتقار إلى القيادة القوية وكل هذا يظهر الاتحاد الأوروبي ككيان ضعيف غير مستعد للتحرك السريع.
وقال عضو حزب المحافظين البريطاني والعضو بالبرلمان الأوروبي، فيليب برادبورن عن تعامل أوروبا مع سحابة الرماد البركاني «كنا كمن يلعق إصبعه ويرفعه في الهواء ليرى في أي اتجاه تهب الرياح».
واشتكى رئيس الاتحاد الدولي للنقل الجوي (اياتا)، جيوفاني بيسينياني من أن مجرد الإعداد لمكالمة عبر دائرة هاتفية بين وزراء النقل بالاتحاد الأوروبي استغرق خمسة أيام في وقت كانت السبل متقطعة بمئات الآلاف من الركاب.
وقال «إنه إحراج لأوروبا وفوضى أوروبية».
في الوقت نفسه استهدف نقد لاذع دول منطقة اليورو لأنها لم توافق على حزمة مساعدات لليونان إلا في التاسع من أبريل/ نيسان بعد فشل محاولتين سابقتين تمثلت إحداهما في بيان للزعماء صدر في 11 فبراير/ شباط وفي اتفاق مبدئي في 25 مارس/ آذار.
وبعد كل محاولة للوصول إلى اتفاق تظهر بسرعة تصدعات في الوحدة الأوروبية، إذ تعرض الدول نسخاً مختلفة لما تم الاتفاق عليه أو تحاول إرجاء التنفيذ بسبب ضغوط سياسية داخلية.
وقال الرئيس التنفيذي لمركز السياسة الأوروبية، هانز مارتنز وهو مؤسسة بحثية في بروكسل «هناك تفسيرات مختلفة ومما لا شك فيه أن من الخطر أن تبدأ الثقة بين الساسة تتلاشى».
وأضاف أن الزعماء يركزون على المشاكل الداخلية وليس الأوروبية بعد الأزمة الاقتصادية العالمية.
وقال «المد السياسي يتجه في الوقت الحالي نحو القضايا الداخلية وهو ما يؤثر على القاعدة العريضة من الأحزاب».
ويعتبر دعم ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا ضرورياً لأية مساعدة مالية لليونان.
وكان وزير المالية الألماني، فولفجانج شيوبله قد قال إن بلاده جاهزة لتقديم مساهمتها في حزمة مساعدات لليونان إذا قرر صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي أن أثينا في حاجة إلى المساعدة.
لكن الحكومة الألمانية تعزف عن توفير الأموال قبل إجراء انتخابات في ولاية نورث راين فستفاليا في التاسع من مايو/ أيار خوفاً من أن تضر المعارضة الجماهيرية لخطة الإنقاذ بفرص الأحزاب الحاكمة في الفوز.
ويمكن أن تؤدي الهزيمة في الانتخابات إلى حرمان ائتلاف المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الذي يتكون من المحافظين والحزب الديمقراطي الحر من الغالبية في المجلس الأعلى للبرلمان.
كما يواجه قادة آخرون في الاتحاد الذي يبلغ عدد سكان دوله 500 مليون نسمة مشاكل داخلية ملحة أو انتخابات تحول انتباههم عن التعامل مع المسائل الأوروبية.
وتهدد خلافات ائتلافية استقرار حكومة رئيس الوزراء الإيطالي، سيلفيو برلسكوني. وانخفضت معدلات التأييد للرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي ولم يفز حزبه الاتحاد من أجل الحركة الشعبية إلا بواحدة من 22 منطقة في انتخابات جرت في مارس/ آذار.
وتجري بريطانيا انتخابات برلمانية في السادس من مايو/ أيار، كما انهارت حكومة بلجيكا يوم الخميس حين انسحب حزب من خمسة أحزاب تكون الائتلاف الحاكم.
ويشكك الكثير من المحللين في كفاءة القيادة بأنحاء الاتحاد الأوروبي ويساورهم القلق من الافتقار إلى رؤية سياسية.
وقال مارتنز «هناك افتقار تام للقيادة الحقيقية في كل مكان. علينا الآن أن نحدد ما إذا كانت أوروبا لاعباً عالمياً بحق. يؤسفني أن الخلاصة التي وصلت لها هي أنه حتى أوروبا الموحدة بدأت تصبح غير متصلة بالآخرين».
وظهرت الانقسامات العام الماضي حين سعى الاتحاد الأوروبي جاهداً للاتفاق بشأن من يجب أن يتولى رئاسة الاتحاد ومن يشغل منصب مسئول الشئون الخارجية ولاستكمال التصديق على معاهدة لشبونة التي تهدف إلى أن تصبح عملية اتخاذ القرار بالاتحاد أكثر سلاسة.
ويتابع وزير الدولة الإسباني لشئون الاتحاد الأوروبي، دييجو لوبيث جاريدو العلاقة بين المؤسسات الأوروبية عن قرب منذ أشهر لأن بلاده تتولى رئاسة الاتحاد وهو دور تنظيمي في الأساس.
وهو يقول إن التنسيق مع رئيس الاتحاد الأوروبي، هيرمان فان رومبوي الذي استحدث منصبه بموجب المعاهدة سلس ويدافع عن الخطوات التي اتخذها الاتحاد بشأن سحب الغبار البركاني قائلاً إنها تبرز تطور ثقافة التعاون الاقتصادي الأوثق داخل الاتحاد.
لكن خلال اجتماع مع الصحافيين في بروكسل هذا الشهر أشار أيضاً إلى أن الاتحاد يواجه مشكلات أساسية في محاولة الوصول إلى اتفاقات سريعة بين دوله السبع والعشرين على الرغم من تطبيق معاهدة لشبونة في الأول من ديسمبر/ كانون الأول.
وأضاف «الاتحاد الأوروبي ليس الولايات المتحدة. نحن 27 دولة وليس دولة واحدة».
العدد 2789 - الأحد 25 أبريل 2010م الموافق 10 جمادى الأولى 1431هـ